المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كلا يا ساده !!.. عدن ليست كوسموبوليتيه


د.عبيد البري
2010-09-07, 05:54 AM
كلا يا سادة !!.. عدن ليست كوسموبوليتيه
قرأت مقالاً بعنوان : (الذين ينكرون القضية الجنوبية )في صحيفة "المصدر" اليمنية بقلم د. عيدروس النقيب عضو مجلس النواب اليمني , يشير فيه إلى أن الطابع الكوسموبوليتي لعدن وبقية مدن الجنوب ينبغي ألا يكون مبرراً لجعلها غنيمة لكل من أمتلك أدوات القوة ووسائل البطش ... ويؤكد أن عدن وبعض مدن الجنوب كانت مأوى وملاذ لكل الوطنيين المطاردين بسبب رفضهم للأوضاع المعوجة هنا وهناك في اليمن . وأشار إلى أنه ينبغي ألا يفهم من هذا القول أن من حق اللصوص أن يجعلوا من عدن ومدن الجنوب محطات لهجماتهم وحملات النهب التي يشوننها بين الحين والآخر منحهم الحق في ذلك الطرف المنتصر في حرب 1994م . وبين أيضاً أن السياسيين الذين ينكرون القضية الجنوبية نوعان : نوع يدافعون فقط عن غنائمهم وأموالهم غير الشرعية التي حققوها بثقافة الفيد والنهب ومبدأ الغلبة , وبذلك يدّعون الدفاع عن الوحدة .. والنوع الآخر يرون ضرورة دمج الأرض بيد عصابة حتى وإن تمزق الناس إلى مئات المزق والشظايا .
وبعد الاستعراض هذا لأهم ما جاء عن أولئك الذين ينكرون القضية الجنوبية في مقال صديقي العزيز د. عيدروس الذي يشغل أيضاً مساعد الأمين العام للجنة التحضيرية للحوار الوطني – اليمن , تعالوا نتعرف على ما كان لعدن من طابع كوسموبوليتي .
الكوسموبوليتيه (cosmoplitanism ) تعني ((اللاقومية )) وأعتقد أن أول من أستعمل هذا المصطلح كان ماركس عندما تحدث عن الكوسموبوليتية في بيانه الشيوعي الشهير, بما معناه , أنها مرحلة العولمة التي يفرضها إحتكار الرأسمالي للسوق العالمية كنتيجة للصراع التنافسي للبرجوازية .. أي أنها "اللاقومية " للاقتصاد الرأسمالي بكل أجناسه .
وبالعودة إلى موضوعنا , فقد ظلت عدن أكثر من غيرها من مدن الجزيرة العربية والخليج محط أنظار الإمبراطوريات عبر التاريخ , لموقعها المتميز عسكرياً وتجارياً ..
ولكن أهم فتراتها الذهبية كانت خلال العقدين الأخيرين من حقبة الاحتلال البريطاني لها الذي أمتد من 1839م إلى 1967م, فصارت بالفعل قبلة التجارة بين الشرق والغرب ونقطة جذب لعناصر إثنية ودينية لطابعها الذي يمتاز بالتسامح والانفتاح الذي عرفت به عدن ما جعلها موقعاً للازدهار التجاري والحضاري الآمن الذي فيه تحفظ الحقوق والمصالح لكل الشركات بمختلف الانتماءات والديانات والأعراق والقوميات, فصارت مهجراً للشعوب الشرقية والأفريقية والمجاورة أيضاً .
ولما كان ذلك التعايش والتفاعل الحي بين تلك العناصر المبني على روح الإنفتاح والتسامح لأهل عدن الأصليين سمة ثقافية وحضارية لاتزال مدينة عدن تتسم بها حتى اليوم , فإن الزائر لمدينة عدن في تلك الفترة الذهبية يخيل إلية بأن عدن تمثل ((أوروبا مصغرة)) بالنظر إلى تعدد الأجناس والديانات والشركات الاستثمارية . وبذلك فقد لامست مدينه عدن قبل غيرها الثقافات الأوربية والشرقية وأكتسب أهلها خبرات التجارة والاقتصاد والإدارة السليمة والقانونية الحديثة التي شكلت فيما بعد أساساً حديثاً في إدارة الدولة بعد رحيل الاحتلال البريطاني.
ومع رحيل الاحتلال رحلت كبريات الشركات والجاليات ولم تبقى في عدن سوى جاليات فقيرة هندية وصومالية التي أرتبطت بالنسيج العدني برابطة الديانة الإسلامية , فكفلت لهم الدولة بعد الاستقلال الحق في المواطنة أسوة بمواطني محافظة تعز أو إب أو البيضاء الذين كانوا قد تواجدوا بدوافع لقمة العيش أو الدراسة أو السياسة . وهم الذين لم ولن يستطيع أحد اليوم أن يتنكر لحقهم في المواطنة مهما حصل .
لقد أمتد الموروث الثقافي والحضاري من عدن , مع الثورة , إلى جميع أرجاء الجنوب .. وعملت ثورة الجنوب على طمس أي مظاهر عنصرية أو غيرها - مع الاختفاء التلقائي لظاهرة تعدد الطوائف من عدن بعد الإستقلال مباشرة – ساعد على ذلك خلو الجنوب من أي تعدد مذهبي على مدى التاريخ الإسلامي , إلى أن جاءت مرحلة ما بعد حرب 1994م على الجنوب .
إن عملية خلط أوراق الحركة الوطنية على إختلاف هويتها (الشمالية والجنوبية ) في المرحلة الأخيرة من الكفاح المسلح لثورة 14 أكتوبر 1963م , وعند إستلام السلطة من بريطانيا , قد أثّر إلى حد ما على هوية قيادة الثورة وحكومتها , فالجبهة القومية – التي أنظم إليها عناصر من حركة القوميين العرب والحركات الشيوعية العربية – قد سارعت إلى إسقاط حكومة الإتحاد الفدرالي للجنوب العربي في كل مناطق الجنوب , وهي الحكومة التي كانت تمثل الجنوب في العقد الأخير من الإحتلال البريطاني , وإلى تصفية كل ما يتعلق بهوية الجنوب بما فيه ذبح رموزه الوطنية التاريخية من سلاطين وأمراء ومشائخ (قيادة حكومة الإتحاد) ثم إلى تدمير التجارة والزراعة في الجنوب بشكل متعمد من خلال اختلاق فكرة الصراع الطبقي الوهمي ! , دون أن يدرك قادة الجبهة القومية الجنوبيين أنذاك خطر تلك الإستراتيجية التي ظهرت نتائجها مع الوحدة اليمنية والحرب .. وبصرف النظر عن الإمارات والسلطنات , فإن تلك أخطاء تاريخية ينبغي مراجعتها وكشفها للتاريخ فقط ( ليس للحساب أو نكء الجراح) من قبل القيادات التاريخية إذا ما أرادوا إعادة إعتبار ذلك الجزء من الهوية .
لقد ظل مشروع الوحدة في الجنوب هدف استراتيجي لا سيما بعد إنشاء الحزب الاشتراكي (بإنظمام الجبهة الوطنية في الشطر الشمالي إلى تنظيم الجبهة القومية 1978م) الذي تولى قيادته وقيادة الدولة في الجنوب الرئيس عبد الفتاح إسماعيل الجوفي , بأيدلوجيته الاشتراكية وحنكته السياسية , حيث استطاع أن يشحن ثقافة الوحدة في عقول كل فئات الشعب الجنوبي إلى الحد الذي جعلنا في الجنوب نتوق إلى الوحدة أكثر من توقه إليها وإلى مسقط رأسه هناك .. وكانت أحلامنا في التطور والتقدم لبلدنا مرتبطة بوحدة صنعاء وعدن وبتطورهما معاً .. وما كان ذكرنا للشمال الأ بالقول ((شمال الوطن الحبيب )) في حين كانت ثقافة الوحدة هناك ضحلة للغاية إلى يوم المعاهدة على الوحدة .
واليوم وقد فشلت الوحدة التي حلمنا بها , بعد أتفاق عاصمتي الدولتين عليها, وتحولت أحلامنا إلى كابوس حرب ونهب , وإنكار القضية والهوية , ثم صاروا يقولون أن عدن مدينة ((لا قومية )) , فما بوسعي إلا الترحُّم على قادة الثورة الحقيقيين ورموز الوطن الحقيقيين الذين لو كانوا اليوم عايشين ما سمحوا لأحد من الطامعين حتى بمجرد التفكير في النيل من هوية عدن أو ترواتها !! .
كلا يا سادة !! ..فهوية عدن عربية وكانت عاصمة دولة عربية .. وعدن ليست كوسموبوليتيه ولا أرض مشاعيه أو كنز في مياه دوليه .. إنها مدينة كل أولئك الصابرين على البليه !.
بقلم د. عبيد البري عدن

النضال
2010-09-07, 06:11 AM
الف تحيه للاخ البري ناقل الموضوع وكاتب الموضوع

موضوع جميل وحساس اكرر تحياتي للدكتور عبيد البري

على هذه الفصاحه والابداع في التعبير والرصد للاحداث