المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اليمن من فخ إلى فخ


ابوالعرب
2010-08-27, 01:03 AM
اليمن من فخ إلى فخ آخر تحديث:الخميس ,26/08/2010


صنعاء - صادق ناشر: الخليج

1/1






لم تنقض أسابيع قليلة على توقيع آلية تنفيذ اتفاق فبراير/ شباط المرحّل منذ أكثر من عام بين فرقاء الحياة السياسية اليمنية حتى دب خلاف جديد بين طرفي المعادلة السياسية في البلاد، وهما حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك المعارض الذي يضم نحو ستة أحزاب من اليمين واليسار، كان الحاضر فيها هذه المرة اللجنة العليا للانتخابات، حيث ترفض المعارضة إقحامها في المشهد قبل أن يتم الاتفاق على تفاصيله في الحوارات التي تأجلت حتى إشعار آخر، فيما رأى الحزب الحاكم أن اللجنة يجب أن تفصل عن الحوارات لأنها تؤدي عملاً قانونياً يمنع البلاد من السير في فراغ دستوري إذا فشلت الحوارات في الوصول إلى اتفاق سياسي حولها .



تبادل الطرفان بيانات شديدة اللهجة أعادت إلى الأذهان حالة الخصومة الكبيرة التي ميزت علاقة الطرفين خلال الفترة التي سبقت توقيع آلية تنفيذ اتفاق فبراير، فطرف يقول إن خصمه يعمل على “تسميم الحياة السياسية”، فيما يقول الطرف الثاني إن خصمه “يعمل على تفخيخ الحوار”، وفي وقت يعتبر أحد الأطراف اللجنة العليا للانتخابات “جثة شبعت موتاً”، يرى الطرف الآخر أن اللجنة شرعية ومستمدة شرعيتها من المؤسسات الدستورية في البلاد .



مبعث غضب المعارضة من قضية اللجنة العليا للانتخابات هو إعلانها مشروع البرنامج الزمني التنفيذي لمرحلة مراجعة وتعديل جداول الناخبين للعام الحالي 2010 تمهيداً لإجراء الانتخابات التشريعية المقبلة، وهو ما اعتبرته المعارضة محاولة من قبل حزب المؤتمر لإيجاد طريقة لتأزيم الحياة السياسية في البلاد .



واعتبر بيان صدر عن المعارضة أن “اجتماع اللجنة وإقرارها للمشروع هما تفخيخ للعلاقات بين القوى السياسية المنضوية في التهيئة والإعداد للحوار الوطني”، كما أكدت المعارضة في بيانها أن هذه الخطوة “لا تخدم مسيرة الحوار التي بدأت التهيئة لها بتوقيع محضر يوليو/تموز، كما أنه يحبط مبكراً الجهود الوطنية التي تبذلها اللجنة المشتركة للتهيئة والإعداد للحوار الوطني لإقناع الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الاجتماعية المتشككة في جدية هذا الحوار بل المراهنة على تعثره وفشله” .



وجددت المعارضة رفضها الاعتراف بلجنة الانتخابات ورفضها لما صدر أو ما يصدر عنها وما قامت به أو ستقوم به في المستقبل وتساءلت في بيانها: “لمصلحة من بُعث هذا الجثمان من جديد في هذا التوقيت؟” .



إلا أن المؤتمر الشعبي اعتبر حديث المعارضة عن اللجنة العليا للانتخابات “يظهر عدم جدية في معالجة الأوضاع في البلاد وهروباً من الحوار”، وأكد بيان صادر عن المؤتمر أن “المؤتمر الشعبي العام وحلفاءه كانوا ولا يزالون جادين في إجراء حوار وطني بنّاء وهادف على عكس ما فضحته نوايا وتصرفات بعض قيادات المشترك بأساليبها الملتوية وغير الدستورية اللا مسؤولة”، معتبراً أن “اللجنة العليا للانتخابات هيئة دستورية رشحها مجلس النواب وصدر بها قرار من رئيس الجمهورية وطبقاً لما نص عليه القانون، وأن ما اتخذته اللجنة من إجراءات هو من صميم مسؤولياتها وواجباتها طبقاً للقانون” .



الخوف من فراغ دستوري


لا يقلق حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في الوقت الحاضر أكثر من وصول البلاد إلى فراغ دستوري خلال الفترة المقبلة إذا تعذر بشكل أو آخر إجراء الانتخابات التشريعية بعد أشهر قليلة، لهذا فإن إصراره على أن تمارس اللجنة العليا للانتخابات مهامها الدستورية ينطلق من هذا القلق، فالحزب يرى أن أي تأخير في المواعيد الزمنية للتحضير لإجراء الانتخابات التشريعية في موعدها المحدد دستورياً في السابع والعشرين من ابريل/نيسان المقبل يضع البلد كله في فراغ دستوري، وهو ما يفتح الباب لفوضى عارمة في البلاد، إذ إن أي طرف يمكن أن يقوم بمواجهة السلطة بحجة أنها غير شرعية .



وما يزيد قلق حزب المؤتمر الشعبي العام أن أطراف الحياة السياسية استخدمت الحق الدستوري المكفول لها والقاضي بتأجيل الانتخابات لمرة واحدة، وهو ما حدث بالفعل، بعد قرار مجلس النواب بتأجيل الانتخابات لعامين ترجمة للاتفاق الذي توصلت إليه الأحزاب السياسية في شهر فبراير/شباط من العام 2009 .



ويرى قادة في حزب المؤتمر أن قبول الحزب ورضوخه لضغوط المعارضة تأجيل الانتخابات أو إطالة أمد الحوار من شأنهما أن يقودا إلى فراغ دستوري مع ما يسببه ذلك من أزمات طاحنة يمكن أن تجر إليها البلاد، وأنه لن يكون أمام القيادة السياسية إلا إعلان حالة الطوارئ لمنع دخول البلد في أي فراغ دستوري .



من هنا يحرص الحزب الحاكم على أن تسير الحوارات والتحضير للانتخابات في خطين متوازيين، وألا يرتهن نشاط اللجنة بالنتائج التي يمكن أن تتمخض عنها الحوارات بين الأحزاب التي لا أحد يعلم متى ستنتهي من الحوارات وما إذا كان الشأن الانتخابي سيحسم أم لا؟



ويقول مصدر في اللجنة العليا للانتخابات إن اللجنة ستكون تحت طائلة المساءلة القانونية إذا لم تقم بواجباتها الدستورية في التحضير للانتخابات التشريعية وأن أول من سيحاسبها على التقصير في أعمالها هي أحزاب المعارضة، بحسب قول عضو اللجنة عبده الجندي، الذي اعتبر أن اللجنة تمارس مهامها وفق الدستور والقانون .



ويرى الحزب الحاكم أن “الحوارات لا تلغي العمل بالدستور والقوانين النافذة وأن الحل الأمثل لعدم مخالفة أو تجاوز المدد الدستورية المتعلقة بالانتخابات والتي لا يملكها أي طرف هو التسريع بوتيرة الحوار وتفعيل جلساته بما يكفل إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد والتزاماً بنصوص الدستور والقوانين النافذة واتفاق فبراير”، ويؤكد أن “المؤتمر وحلفاءه ومعهم كافة القوى الخيرة في مجتمعنا لن يسمحوا بالالتفاف على هذا الاستحقاق الدستوري الديمقراطي وإجراء الانتخابات في موعدها المحدد” .



لذلك أعطى حزب المؤتمر الضوء الأخضر للجنة العليا للانتخابات بمواصلة مهامها والتفرغ للتحضير للانتخابات التشريعية في موعدها المحدد وعدم الالتفات إلى مواقف المعارضة التي ترى فيها تعمداً لإيصال البلاد إلى فراغ دستوري، في نفس الوقت الذي يخوض فيه حواراً سياسياً مع المعارضة وبقية منظمات المجتمع المدني، وذلك حتى لا يقع في أي محظور دستوري .



ويبدو أن سلاح اللجنة العليا للانتخابات من قبل الحزب الحاكم قد أثار حفيظة المعارضة التي ترى في استمرار نشاطها رغم الاتفاق على إلغائها وتشكيل لجنة جديدة بموجب اتفاق فبراير/شباط العام الماضي ومحضر التوقيع على آلية تنفيذ الاتفاق في السابع عشر من شهر يوليو/ تموز الماضي “سوء نية مبيتة” من قبل الحزب الحاكم، لهذا طالبت الرئيس صالح في رسالة وجهتها إليه بإيقاف ما أسمته “العبث وإلغاء هذا الكيان الملتبس، الذي لم يكن منذ نشأته إلا جزءاً من المشكلة لا جزءاً من الحل”، حسب الرسالة .



وتعتقد مصادر المعارضة أن رسائل المؤتمر للمعارضة من خلال رمي ورقة اللجنة العليا للانتخابات، رغم الاتفاق على إلغائها “رسائل سلبية لا تثمر إلا مزيداً من التأزيم لأوضاع سياسية واقتصادية وأمنية على شفير الهاوية، بعد أن عجزت معها الحلول والمعالجات، وضاقت الخيارات المتاحة، وبات الحوار الوطني الشامل الذي لا يستثني أحداً، والذي يجرى الإعداد والتهيئة له اليوم، هو خيار الفرصة الأخيرة الذي يجب دعمه وإنجاحه بدلا من وضع الألغام في طريقه” . وتعتبر المعارضة أن “استخدام هذه اللجنة الفاقدة للشرعية، والتي ولدت ميتة عندما شكلت بطريقة مخالفة للدستور والقانون ولائحة مجلس النواب وخارج التوافق السياسي، ووريت الثرى بتوقيع الأحزاب الممثلة في مجلس النواب اتفاق 23 فبراير 2009 والذي نص في بنده الثالث على “إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات وفقا لما ينص عليه قانون الانتخابات بعد استكمال مناقشة التعديلات المتعلقة به وفقاً للبند ثانياً من الاتفاق” يؤكد سوء نية الحزب الحاكم .



وتضغط المعارضة باتجاه أن يكون هناك اتفاق بين فرقاء الحياة السياسية على تحويل قضية الانتخابات التشريعية من قضية انتخاب نواب إلى تغيير في قواعد اللعبة الانتخابية نفسها، بحيث تتغير موازين القوى داخل البرلمان التي يتحكم فيها منذ سنوات طويلة حزب المؤتمر الشعبي العام، صاحب الأغلبية المطلقة في مجلس النواب الحالي، فالمعارضة ترى أن على أطراف الحوار التوصل إلى حزمة من الإصلاحات في النظام الانتخابي، بما في ذلك اعتماد القائمة النسبية، التي تطرحها المعارضة كأحد الخيارات المهمة لإصلاح النظام الانتخابي .



لكن السؤال المطروح ما إذا كانت المعارضة مدركة لعامل الوقت الذي صار يتسرب من بين أيدي الجميع، فإذا وصل الجميع إلى موعد الاستحقاق الدستوري من دون وفاق حول النظام الانتخابي وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات التي سيناط بها مهمة التحضير للانتخابات، فإن شرعية النظام من عدمها تبقى معلقة، وبالتالي فإن الخشية أن يكون إصرار المعارضة على إصلاح كل شيء في هذه الفترة الزمنية القصيرة مدعاة لإدخال البلاد في قانون الطوارئ، خاصة أن العديد من الدول العربية والأوروبية والغربية ترفض سير الحزب الحاكم وحده في الانتخابات المقبلة، لأن من شأن ذلك أن يعمق من الانقسامات في البلاد التي لم تعد تحتمل المزيد من الأزمات السياسية والاجتماعية .



تدخل الخارج



تبرز حدة الأزمة القائمة بين الأحزاب السياسية في البلاد ضرورة تدخل العامل الخارجي للتوفيق بين الأطراف المتنازعة، وفي هذا الشأن هناك انقسام بين أطراف الحوار، ففريق، وهو هنا الحزب الحاكم، يرفض تدخل الخارج خشية أن تتم “أقلمة” أو “تعريب” أو “تدويل” الأزمة، وهذا الفريق يرى ضرورة إخضاع كل قضايا النقاش إلى مائدة الحوار في الداخل مع الاستئناس بآراء أطراف الخارج، سواء كانت إقليمية أم عربية أم دولية .



ويبدو أن صنعاء متوجسة من نقل أزمتها الداخلية إلى الخارج، لأن ذلك سيفتح أبواباً كانت مغلقة لسنوات طويلة، منها ملف قضية الجنوب، الذي لا يزال مفتوحاً، وبإمكان أي طرف دولي فاعل، مثل بريطانيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة إثارته إذا ما وصلت الأزمة إلى التدويل .



وتثير التحركات التي يقوم بها عدد من قادة النظام الجنوبي السابق في بعض دول الغرب مخاوف صنعاء، بخاصة الرئيس السابق علي ناصر محمد، ونائب الرئيس السابق علي سالم البيض ورئيس الوزراء حيدر أبوبكر العطاس وغيرهم من القيادات الجنوبية، إذ إن تحركات هؤلاء القادة تعطي للقضية الجنوبية دفعة قوية وتؤثر في الأوضاع في الداخل .



ولا يخفي بعض قادة الحزب الحاكم من توسع وتمدد نشاط القادة الجنوبيين في بلاد عربية وخليجية وأوروبية، ويرون أن هذه التحركات من غير الممكن أن تتم لولا وجود نوع من الاستجابة من هذه الدول لهذا النشاط، لهذا تحاول صنعاء استمالة قطر من خلال إشراكها في حل أزمتها في الشمال مع المتمردين الحوثيين، لكنها لم تسمح لها حتى الآن من الاقتراب من ملف الجنوب، الذي يبدو أكثر تعقيداً نظراً للتداخل السياسي والاجتماعي في هذا الملف، خاصة أن الكثير من السياسيين بمن فيهم قادة في الحزب الحاكم يعتقدون أن الوحدة وبعد عشرين سنة من قيامها لم تتمكن من تعزيز قيمها بين أبناء الجنوب بدرجة رئيسية، فتحولت عند البعض إلى “مصدر شر”، عوضاً أن تكون “مصدر خير”، ولعل الأحداث التي يعيشها الجنوب هذه الأيام وخروج بعض المناطق عن سيطرة الدولة أكبر مؤشر إلى ذلك .



وهناك طرف سياسي لا يرى حلاً للأزمة المتفاقمة في البلاد إلا بتدخل خارجي، لأنه يعتقد أن النظام السياسي القائم لا يردعه إلا تدخل الخارج فقط، وفي هذا يرى رئيس رابطة أبناء اليمن (رأي) عبدالرحمن الجفري أنه “لا يتأتى أن يكون هناك حوار جاد وناجح مخرجاته نافذة إن لم يحضره شركاء اليمن من الأشقاء والأصدقاء الذين سبق للسلطة في مؤتمر لندن وسواه أن قبلت شراكتهم بالرأي والمساعدة” .



ويعتقد الجفري أن “الحوار سيكون أكثر جدوى إن عقد في مقر مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أو الجامعة العربية لتتمكن كل الأطراف من الحضور”، ولا يعتبر الجفري هذه المسألة سابقة أو “بدعة جديدة”، ففي رأيه أن “كل تاريخ الأزمات المعاصرة لبلادنا وحوارات أطرافها كان حضور الأشقاء والأصدقاء قائماً ومطلوباً”، ويذكّر أنه “حتى هذا الحوار الجزئي لأصحاب اتفاق فبراير في صنعاء لم يكن ليلتئم طرفاه إلا بحضور فاعل لممثل الاتحاد الأوروبي، والمعهد الديمقراطي الأمريكي” .



وبين تصادم الرأيين المؤيدين والمعارضين للحضور الخارجي لمعالجة الأزمة في البلاد وإنجاح الحوار، تبقى الأزمة معلقة بين دهاليز السياسيين في السلطة والمعارضة في الداخل، وتتفاعل هذه الأزمة وتتناسل منها أزمات فرعية على المستويين المعيشي والأمني، فالبلد يعيش منذ عدة أشهر أزمة اقتصادية خانقة بفعل تراجع قيمة العملة الوطنية، كما أنه يعيش على إيقاع مجازر يومية تحصد العشرات من الأبرياء في مواجهات مستمرة مع عناصر تنظيم “القاعدة” الذي أعاد تنظيم صفوفه، وبدا أنه يقبض على بعض المناطق الجنوبية، بخاصة في محافظة أبين، حيث المعقل الرئيسي للتنظيم، بالإضافة إلى المواجهات المتواصلة مع المتمردين الحوثيين شمالاً وتمددهم إلى مناطق صارت تشكل طوقاً محكماً على العاصمة صنعاء، ومواجهات مستمرة مع قوى الحراك الجنوبي التي وسعت من حضورها في أكثر من محافظة وباتت تؤرق السلطات بشكل كبير .



ومن دون أن يبدأ فرقاء الحياة السياسية حواراتهم المتوقفة منذ تشكيل اللجان المصغرة قبل أسابيع قليلة لتحديد مواضيع ومواعيد جولات الحوار، فإن البلاد ستغرق شيئاً فشيئاً في أزماتها الطاحنة والرهان على “الحكمة اليمانية” قد لا يفيد إذا ما دارت عجلة العنف في البلد، فلن يستطيع أحد أن يوقفها، ويمكن أن تجرف معها الأخضر واليابس معاً