المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مبادرت الانقاذ وردود الفعل عليها


نزار السنيدي
2010-05-26, 09:14 AM
يصف البعض البيان السياسي الرئاسي (الذي ألقاه الجمعة 21 مايو عشية الذكرى العشرين للوحدة اليمنية) بأنه تاريخي، وأنه مثّل نقطة تاريخية فاصلة في حياة اليمنيين. لكن، وفي الوقت الذي يرى فيه آخرون أنه لم يرق إلى حجم التوقعات المنتظرة منه (لاسيما وأن الرئيس ذاته سبقه بتصريحات تؤكد تضمنه مفاجأت تغلق ملفات الماضي وتفتح صفحات جديدة)، إلا أن هناك من يعتقد أنه (الخطاب الرئاسي) تضمن مفاتيح مهمة يمكن البناء عليها للتوصل إلى حلول مناسبة، على أنهم يعلقون الأمر على الجدية في التنفيذ العملي بعيداً عن التكتيكات السياسية التي امتاز بها الرئيس وحزبه.


وتضمن البيان السياسي الرئاسي، ثلاث نقاط رئيسية، حاول الرئيس من خلالها تقديم مفاجأته التي أعلن عنها لإغلاق الملفات في طريق البحث عن حلول ناجعة للأزمة. لعل أهمها من حيث الترتيب: دعوته لكافة أطياف العمل السياسي وكل أبناء الوطن في الداخل والخارج إلى إجراء حوار وطني مسئول. وذلك بعد استمراره –طوال الفترة الماضية من ظهور الأزمة الجنوبية- رفض التحاور مع قيادات الحراك المتواجدين في الخارج، ومن كان يصفهم بدعاة الانفصال. واشترط الرئيس أن يجرى الحوار تحت قبة المؤسسات الدستورية، وبدون شروط أو عراقيل، كما اشترط ارتكازه على اتفاق فبراير الموقع بين المؤتمر وأحزاب المشترك الممثلة في مجلس النواب.



أما النقطة الثانية –بحسب ترتيب الأهمية– ترحيبه أيضاً بالشراكة الوطنية مع كل القوى السياسية في ظل الدستور والقانون وما يتفق عليه الجميع. وقال أنه "وفي ضوء نتائج الحوار فإنه يمكن تشكيل حكومة من كافة القوى السياسية الفاعلة الممثلة في مجلس ‏النواب وفي المقدمة الشريك الأساسي في صنع الوحدة ( في إشارة إلى الحزب الإشتراكي)، وشركاؤنا في الدفاع عنها، وكذلك التحضير لإجراء ‏انتخابات نيابية في موعدها المحدد في ظل الشرعية الدستورية والتعددية السياسية، وذلك حرصاً منا على طي ‏صفحة الماضي وإزالة آثار ما أفرزته أزمة عام 1993م وحرب صيف عام 1994م".



ويأتي في المرتبة الثالثة، توجيهه "بإطلاق سراح جميع المحتجزين على ذمة الفتنة التي أشعلتها عناصر التمرد في صعدة، وكذا المحتجزين الخارجين عن القانون في بعض مديريات لحج وأبين والضالع.."



وفيما يمكن ملاحظة أنه -فيما عدا الدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية- فإن النقطتين الأولى و الثالثة، جسدت مطالب أحزاب اللقاء المشترك، التي ظل ينادي بها على مدى العام الماضي من توقيعه إتفاق فبراير.



الحراك يرفض ويشترط والمشترك يرحب ويتجاهل
يعتقد قياديون في الحزب الحاكم أن الرئيس –من خلال مبادراته السابقة– قدم تنازلات كبيرة، وقام بقذف الكرة إلى أقدام المعارضة وبقية الأطراف المعنية بتلك القضايا التي يفترض أن الخطاب تضمن حلولاً لها، غير أن قياديين في الحراك الجنوبي، اعتبروا أن الخطاب ليس فيه ما يعني الحراك أو القضية الجنوبية، حسب ما نسب للشيخ طارق الفضلي على موقع الجزيرة نت الأحد الماضي. وقد اعتبر الفضلي أن مطالب الحراك تأتي أولاً بضرورة الاعتراف بالقضية الجنوبية، مستنداً في ذلك إلى تصريحات حيدر أبوبكر العطاس -رئيس الوزراء الأسبق– الذي أكد لقناة الـ"بي بي سي" البريطانية -عقب خطاب الرئيس مباشرة- أن الاعتراف بالقضية الجنوبية يجب أن يأتي أولاً، معتبراً خطاب الرئيس "طلقة باهتة" لأنه لم يتضمن الاعتراف بوجود قضية جنوبية وأزمة وحدة.



أما أحزاب اللقاء المشترك، التي كانت أعلنت تريثها يومين للرد على خطاب الرئيس، فقد أعلنت –أمس الاثنين– ترحيبها بالقرار الرئاسي بخصوص إطلاق سراح جميع المعتقلين بدون استثناء. وكان مجلسه الأعلى التأم يوم أمس وأصدر بياناً بهذا الخصوص، أعتبر فيه أن تلك الخطوة تأتي على طريق تهيئة المناخات السياسية والوطنية واستكمال ما تم الاتفاق عليه بشأن الحوار الوطني وفقا لاتفاق فبراير 2009م. وعليه فقد أكد "أنه بات من الضرورة استئناف الحوار على وجه السرعة في هذه اللحظة التاريخية التي تعقدت فيها أوضاع البلاد".



ومن المهم الإشارة إلى أن تأكيد المشترك على "استئناف الحوار على وجه السرعة"، تم ربطه بقرار الرئيس بإطلاق سراح كافة المعتقلين، وكذا إشراك جميع الأطراف في الحوار. وهما المطلبان اللذان ظل ينادي بهما منذ توقيعه اتفاق فبراير 2009، واعتبرهما يندرجان في إطار البندين اللذين تحدثا عن ضرورة تهيئة الأجواء، وإشراك كافة منظمات المجتمع المدني في الحوار، غير أن الحزب الحاكم ظل يرفض ذلك، واعتبرها مطالب إضافية، لا تدخل ضمن اتفاق فبراير.



ومؤخراً أضاف المشترك إلى مطالبه –في سياق تهيئة الأجواء– ضرورة تحييد الإعلام الرسمي التابع لكافة أفراد الشعب، والنأي به عن الاستخدامات السياسية. وهو الأمر الذي قال إن الرئيس رفضه بعد الاتفاق بشأنه مع الدكتور عبد الكريم الإرياني.



ولأن خطاب الرئيس الأخير لم يتضمن الإشارة إلى هذه الجزئية، فقد رأت قيادات المشترك أن قرار الإفراج عن المعتقلين يدخل ضمنه مثل هذا الأمر. حيث جاء في البيان –بهذا الخصوص- "إن المجلس الأعلى يرى في هذه الخطوة سدا أمام المحاولات الرامية إلى تقييد الحريات وحق التعبير عن الرأي ومحاصرة النضال السلمي والديمقراطي ومنعا لتكرار أي ممارسات خارج الدستور والقانون بما في ذلك استخدام الإعلام العام خارج وظيفته الوطنية التي حددها الدستور".



وإذ بدا واضحاً أن المشترك لم ينته إلى اتخاذ قرار واضح بخصوص بقية القضايا الأخرى التي وردت في الخطاب، سواء بالرفض أو الموافقة، فقد فضل أن يترك الباب موارباً، مبررا ذلك بقوله: إن مثل تلك القضايا متوقفة على "موضوعات الحوار الوطني الشامل ومساره ونتائجه بمشاركة وإسهامات كافة الأطراف السياسية بالداخل والخارج وما يتمخض عنه من توافق وطني عام".



ترحيب حوثي
من جهتهم سارع الناطق الرسمي باسم الحوثيين محمد عبد السلام، بالترحيب بقرار الرئيس بالإفراج عن معتقليهم. واعتبر عبد السلام –في تصريحات صحفية– أن القرار يدل على نية حقيقية في تجاوز الأزمة، وقال أنه سيتم النظر إليه والتعامل معه على هذا الأساس، ولا يمكن تجاهله.



وقال في اتصال مع وكالة فرانس برس في دبي -السبت الماضي- إن مبادرة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح للإفراج عن معتقلي التمرد ستساهم، إذا ما تحققت، في تثبت السلام في صعدة (شمال اليمن) وفي إغلاق ملف الحرب بشكل نهائي.



وأضاف قائلاً: "نرحب بما جاء في خطاب الأخ رئيس الجمهورية بالنسبة للتوجيه بالإفراج عن جميع المعتقلين، وذلك إن حصل سيكون من أهم خطوات تثبيت السلام وإرساء الأمن والاستقرار".



وفيما إذا كان للحوثيين رغبة بالمشاركة في العملية السياسية في اليمن، عطفاً على دعوة الرئيس في خطابه لجميع الأطراف، قال المتحدث: "هناك مخلفات ست حروب، وعندما تنتهي الملفات وخصوصاً ملف المعتقلين، إضافة إلى الإعمار والتعويضات والمفقودين، عندها سنستطيع أن نرى ماذا سيكون دورنا في المجتمع".



وأضاف: "في الوقت الحالي نصب كل اهتماماتنا على حلحلة الأوضاع والكشف عن مصير المفقودين والإفراج عن المعتقلين، فالأولية هي أن نثبت السلام".



وعن إمكانية لقاء زعيم التمرد عبدالملك الحوثي مع الرئيس اليمني، قال عبدالسلام "اذا هدأت الأوضاع ليس هناك مانع أدبي، لكن الأمر رهن بالمستقبل، عندما نشعر أنه توقف استهدافنا بشتى الأشكال، لكل حادث حديث".



وبحسب عبدالسلام فإن المعتقلين على ذمة الأحداث في صعدة هم حوالى ألف شخص بعضهم معتقل منذ الحرب الأولى عام 2004.



ما سر إستدراكات العطاس؟
يعتقد أن الأمر الجيد في البيان المشترك لكل من علي ناصر وأبوبكر العطاس (http://almasdaronline.org/index.php?page=news&article-section=1&news_id=8235) تبنيه للهجة عقلانية ومتوازنة، مقارنة بتصريحات سابقة للعطاس كان يؤكد فيها على ضرورة "فك الارتباط"، فيما ظل الرئيس السابق للجنوب علي ناصر محمد، متمسكاً بحرصه على عدم الانجرار لمثل تلك التصريحات، على الرغم من ظهوره في المشهد منذ بداية تصعيدات الحراك الجنوبي.



وإذاك، يربط البعض بين التحول الواضح في خطاب الأول، وبين تدخل زعامات عربية– على الأرجح مصر– وهو الأمر الذي لم يتم تأكيده من طرف رسمي في السلطة اليمنية، مع أن وسائل إعلامية عربية أشارت إلى أن زيارة الرئيس الأخيرة لمصر (أبريل الماضي) جاءت في هذا السياق.



ولما كان البيان المشترك للقياديين الجنوبيين قد سبق - بيومين فقط (صدر الأربعاء 19 مايو)- البيان الرئاسي (الذي ألقاه الرئيس الجمعة 21 مايو، عشية الإحتفال بالذكرى العشرين لقيام الوحدة)، فيعتقد أنه كان يهدف –ربما- إلى التأثير على النظام اليمني –وتحديداً الرئيس– وتوجيهه بطريقة غير مباشرة إلى تضمين بيانه السياسي مجموعة من القرارات الهامة المتعلقة بالقضية الجنوبية، لاسيما وأنه أعلن –قبل الخطاب السياسي بأسبوع تقريباً– أنه سيقدم في سياق خطابه ذاك مفاجأة تتعلق بإغلاق ملفات الماضي وفتح صفحات جديدة للمستقبل.



ربما تحدث الرئيس مع الرئيس المصري حول الأمر أثناء الزيارة الأخيرة، لكن ربما أيضاً أن الحديث لم يشمل تفاصيل القرارات التي سيتخذها الرئيس في هذا الجانب. ومع أن البيان المشترك لناصر والعطاس، تضمن رسالة إيجابية حول التمسك بالوحدة وعدم التخلي عنها، والعمل على إيجاد الحلول المناسبة تحت سقفها، إلا أن هناك من يعتقد –ايضاً– أن خطاب الرئيس لم يتضمن الرد المناسب الذي كان الرجلان بانتظاره لإغلاق ملفات الماضي، مع إيجاد الحلول المناسبة للقضية.



على أن تصريحات العطاس اللاحقة لقناة الـ"بي بي سي" البريطانية الناطقة بالعربية، التي صدرت عنه عقب خطاب الرئيس مباشرة، ربما أوحت إلى أن الخطاب الرئاسي لم يتضمن الحل المطلوب تماماً، أو بالأحرى لم يتضمن ما كان يعتقد أنه سيعمل على تعزيز الثقة وفق ما اتفق بشأنه مع الرئيس المصري. ذلك على الرغم من دعوة الرئيس "صالح" لكافة الأطراف في الداخل والخارج، للجلوس على طاولة واحدة للحوار..! وهو الأمر الذي كان يعلن رفضه الدائم له على مدى سنوات الأزمة الجنوبية.



وعليه فقد وصف العطاس خطاب الرئيس علي عبدالله صالح بـ"الطلقة الباهتة". واعتبر في تصريحاته للقناة البريطانية "أن الهدف من الخطاب هو إيجاد نوع من البلبلة في الصف الوطني الذي اتحد في مواجهة الفساد، وليس هدفه تقديم حوار.."



واستدل العطاس على ذلك بأنه (أي خطاب الرئيس):" لم يعترف بالقضية الجنوبية، ولم يعترف بأن هناك أزمة في الوحدة وأزمة سياسية وأمنية طاحنة في الوطن". وهي تلك المعاني التي تضمنها البيان المشترك مع علي ناصر. بما يؤشر إلى أن الرسالة التي حاول الرجلان تقديمها للرئيس تم تجاهل أهم أهدافها، وهي: ضرورة الاعتراف بوجود قضية جنوبية وأزمة في الوحدة. ذلك في الوقت الذي يعتقد فيه البعض أن مجرد الدعوة إلى حوار وطني شامل لا يستنثي أحدا، في سبيل التوصل لحلول مناسبة تغلق ملفات الماضي، هو اعتراف ضمني بوجود أزمة.



وعلى ضوء ما تضمنه وما لم يتضمنه خطاب الرئيس، يمكن تعزيز ما ذهب إليه البعض سابقاً بخصوص أن تحول قناعات العطاس نحو الحلول الممكنة في إطار الوحدة، لا "فك الارتباط"، إنما جاءت وفق تدخل مصري على أساس حل مناسب لكافة الأطراف.. فقد يمكن النظر إلى أن تصريحات العطاس التي أعقبت خطاب الرئيس ألمحت إلى إمكانية العودة إلى حل "فك الارتباط" باعتباره حلاً أخيراً..!



إذ ومع تأكيده أنه "مع الحوار ويرفض الانفصال"، إلا أنه أضاف مستدركاً: "إن فك الارتباط سيكون كحل أخير"، دعيا الجنوبيين إلى تكثيف وحدتهم ونضالهم، بل ومشدداً على أن يكون هذا النضال سلمياً "لأن السلطة تريد أن تدفع بهم إلى منحى آخر" على حد قوله.



وفي سياق الضغط على السلطة للاعتراف بالقضية الجنوبية، خاطب الجنوبيين بالقول: عليكم تصعيد النضال طالما أن السلطة لا تعترف بقضية بالجنوب، والسير على هذا الطريق. وحمل النظام الحاكم مسئولية ما آلت إليه الأوضاع، وقال: "إن اليمنيين كانوا موحدين قبل الوحدة، لكنهم الآن ليسوا كذلك رغم وجود الوحدة"، واتهم السلطة بأنها هي من "زرعت الفرقة بين اليمنيين".


المصدر أونلاين.

(http://www.almasdaronline.com/index.php?page=news&article-section=1&news_id=8397#top)