المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجنوب بين الصفقات السياسيه والمطرقه الامنيه


ابوالعزالشعيبي
2010-03-12, 09:30 PM
حملت الأيام القليلة الماضية تطورات مهمة في جنوبي اليمن، تمثلت في انسحاب الشيخ طارق الفضلي، وهو من قادة الحراك الجنوبي البارزين، الداعي لما صار يعرف ب “فك الارتباط” والاستقلال عن دولة الوحدة التي أعلنت العام 1990 عن صورة المشهد الذي ألفه الجنوبيون خلال الأشهر القليلة الماضية، خاصة في الفعاليات التي كانت تقام كل أسبوع في مناطق مختلفة من الجنوب، وزنجبار بمحافظة أبين تحديداً، في إطار الضغط على السلطات المركزية للحصول على مكاسب سياسية تعزز أقدام مشروع الاستقلال الجنوبي .
وقد كان هذا التحول الذي فاجأ الكثير من المراقبين حصيلة صفقات سياسية واتفاقيات غير معلنة بين الشيخ الفضلي وقادة بارزين في الحكم، على رأسهم وزير الدفاع محمد ناصر أحمد، وهو من أبناء محافظة أبين، حيث ترددت معلومات تشير إلى أن الطرفين اتفقا على أن تتم تهدئة الشارع الجنوبي، مقابل تلبية بعض مطالب الشيخ الفضلي، من بينها تعيين محافظ جديد، على أن يكون ناصر الفضلي، شقيق الشيخ طارق الفضلي، حيث يتوقع أن يصدر الرئيس صالح قراراً جمهورياً ينص على تعيين الفضلي محافظاً عوضاً عن المحافظ الحالي أحمد علي الميسري، الذي يتهم بأنه غير قادر على ضبط الحالة الأمنية المتدهورة في المحافظة .

كان وزير الداخلية اللواء مطهر رشاد المصري قد رضخ لأحد مطالب الفضلي الداعي لتغيير مدير أمن المحافظة، حيث جرى تغييره واستبداله بشخص آخر طرح اسمه من قبل الشيخ الفضلي .

وكان من نتيجة هذه التطورات أن شهدت زنجبار خلال الأيام القليلة الماضية هدوءاً لافتاً على غير المعتاد، فتوقفت المسيرات التي كانت تنطلق بشكل شبه يومي، في وقت اشتعلت الأحداث في مناطق جنوبية أخرى، مثل الضالع، ولحج وأجزاء من محافظة حضرموت، الأمر الذي فسره مراقبون بأنه أشبه باتفاق بين قوى الحراك الجنوبي بأن تتم التهدئة في مناطق معينة، وتحريكها في مناطق أخرى .

لكن الأوضاع في محافظتين أخريين هما الضالع ولحج المتجاورتين ظلت على ما هي عليه من سخونة، فقد تحولت الضالع إلى مسرح لمواجهات شرسة بين قوات الأمن وأنصار قوى الحراك الجنوبي الداعية للانفصال، لدرجة دفعت بالسلطات إلى إعلان حالة الطوارئ، بعد أن وصلت الأمور إلى نقطة لم يعد فيها مجال لمزيد من التهاون، خاصة أن العديد من القتلى والجرحى سقط في المواجهات في أكثر من منطقة، بالإضافة إلى استمرار حملة الاعتقالات التي طالت أكثر من خمسين شخصاً غالبيتهم من أنصار الحراك الجنوبي، ما ولد حالة من القلق في أوساط المواطنين الذين انقلبت حياتهم خلال الأشهر القليلة الماضية مع استمرار المواجهات .

خلافات في “الحراك”

كان توزيع منشور لجهة مجهولة خلال الأسبوع الماضي يتهم فيه الشيخ طارق الفضلي بالعمالة للسلطة ول “الموساد” أحد الأسباب التي دفعت بالشيخ الفضلي للانسحاب من فعاليات الحراك خلال الأسبوعين الأخيرين، ولم يكتف بذلك، بل إنه أقدم، وفي خطوة مفاجئة، على إزالة الأعلام الشطرية التي كانت ترمز إلى دولة الجنوب السابقة، والتي كانت ترفرف على سطح منزله ومنازل مجاورة له، بالإضافة إلى صور قتلى المواجهات مع السلطة خلال الأشهر الماضية، وتمت إزالة ما كانت تعرف ب “منصة الشهداء”، والتي كان يتوافد إليها أنصار الحراك عند تنفيذ أية فعالية لقوى الحراك الجنوبي .

ولم يكتف الفضلي بذلك، بل إنه أزال العلم الأمريكي الذي ظل مرفوعاً على منزله طوال الشهرين الماضيين، ما اعتبره مراقبون تحولاً مفاجئاً في موقف الشيخ الفضلي، الذي صرح قبل شهر بأن العلم الأمريكي سيرفع فوق سطح كل منزل جنوبي وفي كل فعالية يتم تنظيمها من قبل قوى الحراك خلال الفترة المقبلة، بحسب مقابلة مطولة أجرتها “الخليج” معه قبل نحو شهر .

ورأى مراقبون أن قضية مقتل علي صالح الحدي اليافعي بالقرب من منزل الشيخ طارق الفضلي وعدم نجدته له أكدت أن الفضلي كان يعد العدة للانقضاض على خصومه، وأنه تخلى عنهم واحداً واحداً .

وكان اليافعي، الذي قتلته السلطة في مواجهات مع قوات الأمن استمرت لساعات، وراء إحراق دمية تمثل الرئيس علي عبدالله صالح في فعاليات سبقت المواجهة بيوم واحد، ما أثار غضب السلطة من هذا الموقف وسيرت حملة لإلقاء القبض عليه أو قتله، قبل أن تقدم على محاصرة منزل الشيخ طارق الفضلي، الذي أكدت مصادر محلية بمحافظة أبين أن الفضلي تجنب ضربة موجعة قبل دقائق من صدور أوامر عليا بوقف الضربة والدخول بتفاوض مع الفضلي تجنباً لإراقة مزيد من الدماء .

وعلى الرغم من هذه الدلائل، إلا أن مقربين من الشيخ طارق الفضلي يؤكدون أن الرجل ما زال عند مواقفه الداعية لنصرة القضية الجنوبية، ونقلوا عنه قوله إنه مستعد للموت، إذا ما كان قتله سيكون بوابة لحصول الجنوب على استقلاله .

وحصل الفضلي على تأييد سياسي واضح من نائب الرئيس السابق علي سالم البيض، الذي وجه رسالة يناشد فيها العالم الحر بفك الحصار المفروض على الفضلي من قبل قوات الأمن اليمنية، وطالب الجنوبيين بالزحف إلى منطقة زنجبار بمحافظة أبين “لفك الحصار عن الفضلي، قبل أن تفتك به قوات الاحتلال في معركة

غير متكافئة”، وذلك في رسالة وزعها البيض على وسائل الإعلام .

والسؤال الذي طرح نفسه هو لماذا جاء موقف الفضلي المفرمل لنشاطات الحراك في وقت يشهد فيه الجنوب تصاعداً لافتاً، بخاصة منذ أن وضعت الحرب السادسة في صعدة وعمران أوزارها قبل نحو شهر، بقرار أعلنه الرئيس علي عبدالله صالح في الحادي عشر من شهر فبراير/ شباط الماضي، ولماذا اختار هذا التوقيت في ظل توقعات بأن تكون أبين هي رأس الحربة في المواجهات الجديدة بين السلطة والحراك، لما للفضلي من نفوذ قبلي، ولما له من صلات قوية بنائب الرئيس السابق علي سالم البيض، الذي يدير المعركة السياسية ضد النظام من الخارج؟

يرى مراقبون أن الخلافات التي بدأت تدب بين قادة الحراك الجنوبي ومحاولة فرض الفضلي هيمنته على نشاطات الحراك كانت السبب الرئيسي وراء المواقف الأخيرة للفضلي، حيث يريد الفضلي أن يؤكد لقادة الحراك أنه رقم صعب في المعادلة الجنوبية، وأن الحراك من دونه يمكن أن يتعثر، ويصبح جسماً بلا روح .

ويرى الفضلي أن تمرد بعض قادة الحراك على بعض تصرفاته وقراراته خلال الأشهر القليلة الماضية، بخاصة قادة الحراك الميدانيون في كل من الضالع ولحج، وانتقادهم لذلك علناً دفع بالخلافات للظهور على السطح، إذ إن القادة الميدانيين في كل من الضالع ولحج يعتقدون أنهم أولى بتصدر الاهتمام الشعبي والسياسي الخارجي من الفضلي، الذي سرق منهم النصر الذي تحقق على الأرض، خاصة أنه جاء متأخراً عن الفعاليات السياسية التي بدأها الحراك قبل مجيئه، لكنه استفاد من علاقته بخصمه القديم علي سالم البيض والقيادي البارز محمد علي أحمد، وهو من أبناء محافظة أبين وصاحب كلمة مسموعة لدى البيض وقادة الخارج عموماً . لذلك ارتفعت وتيرة المواجهات بين السلطة وقوى الحراك الجنوبي في كل من الضالع، لحج، شبوة وحضرموت، حيث شنت السلطات الأمنية حملة اعتقالات واسعة طالت ناشطين في الحراك في هذه المحافظات، كما وقعت اشتباكات عنيفة بين أفراد الأمن وأنصار الحراك أسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى، ما فسر بأنه محاولة جر السلطة للمعارضة لمواجهة مكشوفة لتتمكن من اصطياد قادة الحراك المؤثرين في هذه المحافظات .

ويبدو أن صنعاء أرادت استغلال موقف الفضلي الجديد فقررت تنظيم مهرجان شعبي كبير في محافظة أبين للتجديد لقضية الوحدة والتمسك بها، وهي تريد أن تؤكد أن أبين مثلما كانت “بوابة للنصر على الانفصاليين في حرب العام 1994”، ستكون بوابة للنصر على الانفصاليين في الوقت الحاضر، وأنها لن ترضخ لسياسة فرض الأمر الواقع .

ملفان متوازنان

لا يجد أنصار الحراك الجنوبي أدنى تفسير للمواجهات المفتوحة التي تخوضها قوات الأمن في الوقت الحاضر ضدهم سوى أن صنعاء قررت الالتفات إلى الجنوب بعد أن فرغت من معالجة ملف الحرب في صعدة، وترى أن هذه المواجهات لن تكون كسابقاتها، إذ إن انتهاء صنعاء من معالجة ملف الحرب ضد الحوثيين سيجعلها تركز كل جهدها على معالجة الوضع في الجنوب .

ويقول نائب الرئيس السابق علي سالم البيض إن الرئيس علي عبدالله صالح تفرغ للجنوب بعد أن انتهى من ملف حرب صعدة، وحذر في تصريحات له تزامناً مع مؤتمر الرياض للمانحين الذي عقد أواخر الشهر الماضي من أن “يكون إنهاء حرب صعدة تحضيراً لعدوان جديد ضد المحافظات الجنوبية، واتهم البيض السلطة بأنها تريد أن تمسح عار حرب صعدة في الجنوب، وقال إن ما هو مطلوب اليوم هو تحديد موقف في حق تقرير مصير شعب الجنوب” .

والسؤال ما هو الحل للأزمة القائمة في الجنوب؟ وكيف يجب أن تعالج صنعاء هذه الأزمة التي يمكن أن تؤثر في استقرار البلد وأمنه وأمن المنطقة ككل؟

يرى حزب رابطة أبناء اليمن (رأي) في بيان له صدر السبت الفائت، أن الخروج من المأزق الحالي يتطلب حلاً واضحاً لا لبس فيه، ويتمثل في الأخذ بخيار “دولة فيدرالية من إقليمين أو ولايتين، شمال وجنوب” عوضاً عن مشروع سابق كان يدعو فيه الحزب إلى الأخذ بخيار دولة بخمسة أقاليم وأمانتين (صنعاء وعدن) .

أما الشيخ عبدالمجيد الزنداني فإنه يرى في حكومة الوحدة الوطنية “الحل الأمثل لخروج اليمن من أزماته”، ويؤكد الزنداني أن اشتراك الأحزاب كلها في الحكم، هو الحل الأمثل للحالة اليمنية، مشدداً على أهمية أن يكون هناك حوار جاد وصادق وغير ديكوري بين الأحزاب السياسية في البلاد في السلطة والمعارضة، أهمها إجراء انتخابات حرة ونزيهة . وفي موقف جديد له يعترف الزنداني بأن عوامل عدة وقفت وتقف وراء الأزمة الراهنة في الجنوب، أبرزها غياب العدالة ووجود الظلم واستشراء الفساد وسوء إدارة المسؤولين، إضافة إلى غياب الحزب الاشتراكي من معادلة الشراكة الوطنية باعتباره أحد أطراف تحقيق الوحدة الوطنية، حسب رأيه .

أما المعارضة المتمثلة في أحزاب اللقاء المشترك فإن موقفها القديم ما زال كما هو ولم يتغير، إذ إنها تدين الإجراءات التي تتخذها السلطة لمعالجة الأوضاع في الجنوب، وترى فيها موقفاً عبثياً أثبتت الأيام الماضية فشله، وهي المعالجات الأمنية .

واتسعت الهوة أكثر وأكثر بين السلطة والمعارضة خلال المواجهات التي شهدتها المناطق الجنوبية خلال الفترة الأخيرة، ورأى مراقبون أن هذه الهوة تتسع أكثر وأكثر، خاصة في ظل انتهاء صنعاء من معالجة ملف صعدة وبالتالي توجيه كل إمكاناتها السياسية والعسكرية إلى الجنوب، وهو ما ترفضه صنعاء، إذ يؤكد قياديون في الحزب الحاكم أن الحكومة تحاول معالجة ملف الجنوب بعيداً عن الحسابات السياسية والأمنية، إلا أنهم يرون أن التأخر في محاصرة النيران المشتعلة من جراء استمرار ما يحدث في الجنوب، بخاصة تلك المتصلة برفع أعلام الجنوب على مباني الدولة، يظهر الدولة في موقف ضعف، ويجعل قدرتها على حماية البلاد مشكوكاً فيه .

لذلك كله رمت صنعاء بثقلها لمعالجة هذا الملف بمسارين: الأول أمني، ومن خلاله أوفدت كبار قادة البلاد العسكريين إلى الجنوب، وعلى رأسهم وزيرا الدفاع محمد ناصر أحمد والداخلية مطهر رشاد المصري لتأكيد حضور الدولة في هذه الساحة وعدم تركها لقوى الحراك الجنوبي وحدها . والمسار الثاني سياسي من خلال تشكيل لجنة لمعالجة القضايا المثيرة للأزمات في الضالع، وهي اللجنة التي يرأسها نائب رئيس الوزراء وزير الإدارة المحلية الدكتور رشاد العليمي وعضوية عدد من الوزراء، حيث بدأت بالنزول إلى الضالع لاستقصاء آراء الشارع الجنوبي حيال المشاكل التي يواجهها .

ويرى مراقبون أن صنعاء لا يمكنها حل الأزمات التي تواجهها في الجنوب من دون الاعتراف بوجود مشاكل لا بد من التسريع بحلها، بخاصة منها قضية المتقاعدين العسكريين والبطالة المنتشرة في صفوف الشباب الجنوبيين، الذين كانوا في مقدمة الجهات التي بدأت بإثارة قضاياهم منذ العام 2007 .

ويشيرون إلى أن على صنعاء أن تتفرغ لمعالجة القضايا الاقتصادية وتتخلى عن المعالجات الأمنية لأنه ثبت فشلها، فبوابة الاقتصاد هي الأكثر أماناً للجميع، ثم أن عليها البحث عن صيغة جديدة ترضي من خلالها الجنوبيين في إدارة الدولة التي غاب عنها الحزب الاشتراكي، الشريك الأساس في قيام دولة الوحدة . فغياب الحزب الاشتراكي من المعادلة السياسية، وهو أمر اعترف به أخيراً الشيخ عبدالمجيد الزنداني، وهو من كبار أعداء الحزب الاشتراكي، أثر كثيراً في المعادلة السياسية والاجتماعية في بلد لا تزال تحكمه المعادلات القبلية والعشائرية أكثر من المعادلات السياسية، والحزب كان يمثل الجنوب في دولة الوحدة وخرج في حرب لا تزال آثارها ماثلة حتى الآن .