المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محمد حيدرة مسدوس في الجزء الأخير من حواره مع «النداء»: (3-3) انعقاد


ابو شريف الحدي
2009-11-03, 02:17 AM
محمد حيدرة مسدوس في الجزء الأخير من حواره مع «النداء»: (3-3) انعقاد مؤتمر الحزب الاشتراكي انتحار، ولست مع مطلب الانسحاب من عضويتهالإثنين , 2 نوفمبر 2009 م
http://www.alnedaa.net/images/print.gif (http://www.alnedaa.net/print.php?id=2919&n=1) http://www.alnedaa.net/images/s2f.gif (http://www.alnedaa.net/send2friend.php?id=2919&n=1) * إبراهيم الحمدي حمَّلنا رسالة إلى سالمين فحواها أن الوحدة غير ممكنة في ظل العمائم والجنابي
* كل ما نتمناه هو أن يتبنى الاشتراكي القضية الجنوبية بوضوح وينضم بالكامل إلى الحراك الجنوبي
* «الحراك الجنوبي» مُسمى طلع تلقائياً من الشارع واستبداله بأي مسمى آخر ليس مفيداً

في الجزء الثالث من هذا الحوار يواصل محمد حيدرة مسدوس عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني، ونائب رئيس الوزراء الأسبق، وأبرز أقطاب تيار إصلاح مسار الوحدة، عرض آرائه وتصوراته بشأن الحراك الجنوبي والوحدة اليمنية.
وإذ يعبِّر عن تفاؤله بإمكان أن يسترد الحزب الاشتراكي عافيته إذا التحق كلية بالحراك الجنوبي، يشدِّد على ضرورة تأجيل المؤتمر العام للحزب الاشتراكي، لأن انعقاده في الظروف الراهنة هو بمثابة سلوك انتحاري.
وبشأن احتمالات انزلاق مكونات الحراك الجنوبي إلى دائرة العمل العنفي، ينبه مسدوس إلى أن العنف يصب في مصلحة النظام، وينصح قادة الحراك بالتمسك بالنضال السلمي وإقناع دعاة العنف بميزات العمل السلمي.

- حوار: سامي غالب
> لنتحدث عن الملمح السلمي للحراك. أعرف أن لديك تحفظاً حول مسمى "مجلس قيادة الثورة السلمية"، لا أقصد المجلس في ذاته كمكون، ولكن الصفة الثورية في الاسم.
- أنا أفضل التسمية التي طلعت تلقائياً من الشارع الجنوبي، وهي: "الحراك الجنوبي". هذه التسمية اعترفت بها السلطة والمعارضة والعالم. والحديث الآن في الإعلام، سواء الداخلي أو الخارجي، هو عن "حراك جنوبي". استبدال هذه التسمية بتسمية أخرى ليس في صالح القضية وليس في صالح الحراك، وليس مفيداً. لهذا أنا متمسك بتسمية الحراك الجنوبي، وأية تسمية أخرى لا أراها صائبة.
> هل أبلغت هؤلاء الذين شكلوا المجلس هذا الرأي؟
- نصحتهم، والحوار يدور حول هذه الفكرة، وهم يدرسونها واحتمال يوافقوا عليها.
> وماذا عن التسميات الأخرى مثل المجلس الوطني والهيئة الوطنية للاستقلال ونجاح؟
- ممكن أن يكون الاسم مشتقاً من الحراك أو منسوباً إليه، مثل المجلس الوطني للحراك الجنوبي، نصحت كل الأطراف وألمس استجابة منهم.
> الحراك، كما تعلم، تميز بأنه سلمي، وهذه ميزة غير مسبوقة في تاريخ المعارضات والاحتجاجات اليمنية. هذه الميزة كانت واضحة لدى الناشطين في الحراك خلال عامي 2007، و2008. الأمور، كما تبدو الآن، تأخذ منحى آخر، إذ نسمع من البعض تلويحاً باللجوء إلى القوة، كما تحصل أحياناً صدامات في الشارع. ألا تنتابك خشية من ضياع هذه الميزة؟
- الحراك سلمي، واستراتيجيته سلمية. وكل أطراف الحراك مقتنعة بالمبدأ السلمي وتنبذ العنف، وهذا المبدأ لا يمكن التخلي عنه. لكن قد تقوم أطراف خارجية أو أطراف أمنية من السلطة بدس عناصر في فعاليات الحراك للقيام بشغب كما حدث في الحبيلين والضالع (2008). الشغب حصل في الحبيلين والضالع، ولكن الاعتقالات وقعت في عدن، ما يؤكد أن السلطة وراء الشغب لتبرير الاعتقالات.
> ولكن هناك في الحراك من يلوِّح بالعنف. علي سالم البيض قال لجريدة "الأخبار" البيروتية إن الطابع السلمي للحراك ليس سقفاً، وقال كلاماً مشابهاً في تصريحات لقناة فضائية، ويوجد آخرون يلوحون بإمكان اللجوء إلى وسائل أخرى.
- لا أعتقد أن يتجه الحراك إلى العنف، هذه استراتيجية. من المحتمل أن تكون هناك حالات شاذة تقع هنا أو هناك، وكما قلت فإن هذا قد يكون بسبب تدخلات خارجية أو تدخلات جهات أمنية. بالنسبة للبيض فأنا لم أسمع منه كلاماً في هذا الخصوص، وما سمعته هو تأكيداته في أكثر من مرة، بالتمسك بالنضال السلمي.
> صحيح، أكد التمسك بالنضال السلمي مراراً. هذا ما فهمته من قوله إن الحراك السلمي ليس سقفا. ومع ذلك سأدقق في ما قاله لجريدة "الأخبار".
- ما أستطيع تأكيده هو أننا مقتنعون بأن الحراك سلمي ولا يمكن حرفه إلى العنف، لأن العالم كله مع النضال السلمي والديمقراطي، وفي حساب الربح والخسارة فإن الإنسان العاقل يدخل على خصمه من نقطة ضعفه وليس من نقطة قوته. ونقطة ضعف السلطة هي العمل السلمي، لأن السلطة لا تملك منطقاً في ما تمارسه. وسأعطيك مثلاً؛ حتى الآن لا تستطيع السلطة أن تحرك مسيرة في الجنوب مؤيدة لها إلا إذا جمعت عسكريين وأمنيين. حتى الجنوبيون الموظفون في السلطة بافتراض قناعتهم بالوقوف مع السلطة، فإنهم لا يستطيعون الوقوف معها في قمع النضال السلمي في الجنوب، لكن إذا انحرف النضال السلمي نحو العنف فهناك إمكانية لوجود جنوبيين يحملون السلاح مع السلطة ضد الحراك. لهذا فإن الحراك ثابت على مبدأ النضال السلمي.
> لكن هناك من يجاهر باستخدام القوة مثل طاهر طماح الذي أعلن قبل أكثر من عام تشكيل "كتائب سرو حمير"، ويقول في تصريحات صحفية إنه يجند مسلحين لهذه الكتائب وينسب نفسه وكتائبه للحراك.
- أسمع بهذا. لكن الحكم على الأمور يتم انطلاقاً من النهج الرسمي لمكونات الحراك.
> هذه الكتائب تقوم بعمليات وتتبنى المسؤولية عنها. هل تعرف هذا الشخص؟
- لا. أعرف آخرين من أسرته. وعلى أية حال الشباب دائماً يميلون إلى المغامرة، ومع التجارب يكتسبون خبرة ويعودون إلى الصواب. وكما تلاحظ فإن كثيرين من اليمنيين، من الشمال ومن الجنوب، من السياسيين ومن الشباب، ينطلقون في نظرتهم إلى الأمور من القدرة على الفعل وليس من شرعية هذا الفعل من عدمها. إذا انطلقوا من شرعية هذا الفعل من عدمها فإن أحكامهم بالتأكيد ستكون صحيحة. أما إذا انطلقوا من مبدأ القدرة على الفعل بصرف النظر عن شرعية هذا الفعل من عدمها، فإن أحكامهم ستكون خاطئة.
> أفهم من كلامك إمكانية ظهور تعبيرات على هامش الحراك، وليس في جوهره، تمارس العنف. وهذه التعبيرات قد تشكل مدخلاً للسلطة لممارسة المزيد من العنف ضد الحراك؟
- هذا صحيح، وهو يعتمد على قدرة الحراك على إقناع (هؤلاء) بالنضال السلمي باعتباره الأسلوب الصائب.
> وأنت تنصح قيادات الحراك بإقناع هؤلاء؟
- بالتأكيد. وبالنسبة لطاهر طماح فإنه ينبغي الجلوس معه ومناقشته، وأنا واثق من أنه سيقتنع.
> ربما، ولكن الرجل، كما يظهر من تصريحاته، على قناعة راسخة باللجوء إلى القوة. وهو يكرَّر بأن النضال السلمي غير مجدٍ في مواجهة السلطة، التي تمارس العنف ضد الاحتجاجات السلمية، ويضيف قائلاً بأن الاحتجاجات السلمية لم تثمر شيئاً على مدى عامين. أقصد أنه متشبع بفكرته في المقاومة المسلحة.
- إذا جلس مع نفسه وقارن بين الحراك في الماضي والآن، وقارن بين موقف السلطة في الماضي وموقفها الآن، لرأى أن الأمور تتقدم لصالح الحراك.
> لننتقل إلى مطلب فك الارتباط. في السياسة وفي القانون الدولي والعلاقات الدولية لا يوجد شيء اسمه "فك ارتباط"، وتعرف أن فك الارتباط هو مفهوم عسكري اشتهر بعد حرب أكتوبر 1973، عندما اعتمد هنرى كيسنجر مبدأ الخطوة خطوة، بادئاً بفك الارتباط بين القوات المصرية والإسرائيلية على جانبي قناة السويس. من أين جاء هذا الشعار؟
- أعلن الأخ علي سالم البيض في 21 مايو 1994 فك الارتباط بين الشمال والجنوب، وهو ما يزال متمسكاً به. ولكن مهما يكن فإن الشيء الذي لا تستطيع السلطة ولا نستطيع نحن الهروب منه هو: الشرعية الدولية أو الشرعية الشعبية. ما عدا هذا هو رغبات سياسية لسياسيين جنوبيين ولسياسيين في الشمال (في السلطة)، وأقصد إما أن تقبل صنعاء بالحوار على أساس قراري مجلس الأمن الدولي باعتبارهما قرارين للشرعية الدولية، وإما أن تقبل باستفتاء الشعب في الجنوب على قبول هذا الوضع أو رفضه. هذا هو الحل الذي لا تستطيع السلطة ولا يستطيع الجنوبيون أن يأتوا بغيره إلا في حالة واحدة، هي انهيار الدولة وصوملة اليمن.
> وهذا ما لا يتمناه أحد.
- نعم، ولكن مهما راوح الناس ومهما تشنجوا فإنهم سيعودون إلى ما قلته أعلاه لأنها لا توجد شرعية لأي من الطرفين إلا بذلك.
> أين تضع "فك الارتباط"، إذْ لا محل له في الشرعية الدولية، لأن قرارات مجلس الأمن تطالب طرفي الأزمة والحرب حينها (1994) بوقف العمليات الحربية والعودة إلى الحوار على أساس الدولة اليمنية الواحدة.
- قرارا مجلس الأمن الدولي يقولان بالحوار بين الشمال والجنوب. فلا وحدة بالقوة ولا انفصال بالقوة. أما فك الارتباط فأنا شخصياً ليس لدي وضوح حول هذا المفهوم. أفهم أن "فك الارتباط" أو "الانفصال" هو اعتراف ضمني بوجود "وحدة"، وعندي أن الوحدة ليست موجودة أصلاً.
> في الشرعية الدولية هناك قراران يتعلقان بأزمة داخل دولة واحدة، والقراران يدعوان إلى وقف الحرب والعودة إلى التفاوض، والحكومة اليمنية وجهت يوم 7 يوليو مذكرة إلى مجلس الأمن تتضمن التزامات الطرف المنتصر في الحرب، وأبرزها معالجة آثار الحرب وتطبيق وثيقة العهد والاتفاق. هذه هي الشرعية الدولية في نظري.
- الشرعية الدولية هي المشار إليها أعلاه، وهناك الشرعية الشعبية. مثلاً تستطيع السلطة أن تقول صحيح هناك قرارات للشرعية الدولية وهناك التزامات، لكن الشعب في الجنوب مقتنع بالوضع القائم. السلطة تستطيع أن تقول هذا الكلام. ونحن نستطيع أن نقول الاستفتاء هو الحكم.
> لكنها في هذه الحالة قد تتورط في مسار غير مضمون.
- (باسماً) من حقها أن تقول هذا، لكن من حقنا أن نقول نحن إذن لنعمل استفتاء.
> لنناقش فكرة الاستفتاء، تعرف أن أي دولة تشهد هجرة داخلية، بصرف النظر عن القول بأنها مخططة أو غير مخططة. بعد 20 سنة من قيام دولة الوحدة، هناك جنوبيون انتقلوا إلى الشمال، وهناك شماليون أكثر انتقلوا إلى الجنوب لأسباب اقتصادية، علاوة على الألوية العسكرية والقوى الأمنية، والاشتباه بوجود خطة للسلطة لتغيير خارطة السكان، وبافتراض أن السلطة تعاطت حبوباً مهدئة وقررت في لحظة تسامٍ قبول فكرة الاستفتاء. من سيُدعى في الجنوب إلى الاستفتاء؟
- هذه وظيفة الحوار، لأن الأمر يتطلب حواراً، وهذه من مفرداته.
> أقصد أن المسألة شائكة وشديدة التعقيد والحساسية.
- كل قضية لها حل. وعندما تتطور الأمور إلى هذه النقطة يمكن إيجاد حل لها عبر الحوار. ومع ذلك فإن تحكيم العقل قد يحول دون الوصول إلى هذه النقطة. إذا حكم الإخوة في الشمال، سلطة ومعارضة، عقولهم وتساءلوا: هل الكراهية تزداد أم تقل بين سكان الشمال وسكان الجنوب؟ ولو فكروا بهذا التفكير لما تركوا الأمور تستفحل، ولسارعوا إلى حل القضية. المسألة منطقية، عندما تتابع مشكلة أو قضية عليك أن تقرأ تفاعلاتها، هل تزداد تعقيداً أو تتراجع.
> من الواضح أنها تزداد تعقيداً سنة تلو سنة، ويوماً تلو يوم، كما هو حاصل مؤخراً.
- طيب، لماذا تسكت عليها؟
> هذه فعلاً مشكلة السلطة في التعامل مع القضية الجنوبية، لكن المعارضة بدت...
- (مقاطعاً) رابخة.
> المعارضة، كما أرى، تقترب من القضية الجنوبية، بل وصارت تتبناها وتطالب السلطة بالاعتراف بها، رغم أنها إلى ما قبل عام ونصف كانت هي ذاتها تتجنب عنوان "القضية الجنوبية" في بياناتها.
- تحسن موقفها قليلاً، ولكن عليها واجباً أكبر.
> في ما يخص "فك الارتباط"، هل تعتقد أن هذا العنوان يمكن أن يوحد الجنوبيين حوله؟
- الشعب في الجنوب أكثر التفافاً حول مطلب "استعادة دولة الجنوب"، عامة الناس يريدون هذا، لكن السياسيين عليهم أن يتعاملوا بوعي مع هذه القضية. إذا صنعاء ترفض الاعتراف بالقضية الجنوبية، وبالتالي ترفض أي معالجة لها، ماذا تنتظر من السياسيين الجنوبيين أن يقولوا أمام الشعب الجنوبي؟ أنا شخصياً ليس مفهوماً عندي بالضبط مسألة "فك ارتباط" أو "انفصال"، لأن هذين المطلبين ينطويان على اعتراف ضمني بوحدة قائمة، وأنا لا أرى أن القائم هو وحدة.
> الآن، ولكنك إلى وقت قريب كنت تقول إن الوحدة قائمة ولكن مسارها أخذ اتجاهاً آخر بالحرب.
- هذا كان سابقاً قبل نهب الأرض والثروة، لكن بعد أن تم نهب الأرض والثروة ماذا بقي للجنوبيين. إذا لم تُعد الأراضي والثروات المنهوبة فما الفائدة من أي حل. فلابد أن يعود كل ما نهب منذ ما بعد حرب 1994 وحتى الآن، أراض زراعية وعقارات وثروات وغيرها.
> هناك حديث يجري عن عقد سياسي جديد يضم مختلف الأطراف اليمنية بما فيها الجنوبيون..
- أي حل بدون ضمانات دولية ليس مضموناً، لأنها وجدت اتفاقيات، مثل اتفاق الوحدة ودستور دولة الوحدة، وهو اتفاق يمني داخلي تم الانقلاب عليه بالحرب، ومن دلائل ذلك العملة الوطنية الآن هي الريال الشمالي، بينما اتفاقية الوحدة تقول بأن تكون العملة هي الدرهم كبديل للدينار الجنوبي والريال الشمالي. الإدارة الآن شمالية، وكذلك القضاء والمناهج التعليمية، تم الانقلاب على هذا كله. ثم جاءت وثيقة العهد والاتفاق التي تم التوقيع عليها في الأردن، وانقلبوا عليها بالحرب، وأخيراً جاءت اتفاقية الدوحة (بين الحكومة والحوثيين)، وتم الانقلاب عليها أيضاً. لا يوجد ضمان إلا بإشراف دولي قادر على الفعل.
> لنتحدث عن البيئة الإقليمية، ألا تنتابك مخاوف من أن يتحول "الحراك الجنوبي" إلى ورقة إقليمية في ظل الاستقطاب الإقليمي الراهن؟
- السلطة من يملك القرار السياسي في اليمن. ومن يملك القرار بيده أن يمنع أن يكون بلده ساحة صراع إقليمي ودولي، ويمكن أن يقدمه على طبق من ذهب لهذا الصراع، تماماً كما فعل صدام حسين في العراق، ومثلما فعلت طالبان في أفغانستان.
> ألديك مخاوف من أن يتم توظيف الحراك من قبل أطراف إقليمية أو أطراف لها حسابات في الإقليم؟
- لا. الحراك الجنوبي متنبه للعبة الخارجية. وأنا واثق أن الحراك لن يكون بيد طرف خارجي. ومع ذلك فإن العامل الحاسم هو موقف السلطة التي بإمكانها تجنيب البلد ذلك. الرئيس. للأسف، قال أمس في مقابلة مع قناة "إم.بي.سي" أنا ضمنت دول الخليج والمجتمع الدولي في ما يخص قضية الجنوب. ماذا يعني هذا؟ ألا يعني تقديم البلد للصراعات الدولية؟
> يعني أنه قام بجهد دبلوماسي متواصل لضمان وقوف هذه الأطراف في صف الوحدة.
- تجاه من؟
> تجاه من يصفهم بأنهم حفنة من المتآمرين والانفصاليين، وأصحاب المصالح التي فقدوها في حرب 1994.
- (ضاحكاً) مئات الآلاف الذين يخرجون في الشارع، ما هي المصالح التي فقدوها؟
> تعلم أنه إلى وقت قريب كان هناك شكوك لدى السلطة ودوائر أخرى من وجود دعم من بعض دول الجوار للحراك، خصوصاً وأن بعض هذه الدول كان له موقف داعم لعلي سالم البيض في حرب 1994 عندما أعلن الانفصال، والآن فإن هناك استرخاء لدى الرئيس بعد أن تأكد بأن هذه الدول تدعم الوحدة.
- وبعد أن ضمن هذا ما الذي تغير في الساحة الجنوبية؟ الحراك مستمر والمعاناة مستمرة، وفقط يوجد تعتيم إعلامي.
> ما أقصده أن الرئيس أمَّن الفاعل الإقليمي والفاعل الدولي، وصار بوسعه الآن أن يتعامل من موقع أفضل مع القضية الجنوبية خلاف ما كان الحال عليه قبل عدة أشهر.
- من الخطأ أن يصدر هذا الكلام من شخص مسؤول عن البلد كله، أن يقول أنا أمنت الخارج وأما الداخل فلا يعنيني أمره، هذا كلام ليس ملائماً أن يصدر من رئيس دولة. ولو افترضنا أنه أمَّن فعلاً هذه الأطراف فهل حُلت القضية؟
> الرئيس يقر بوجود غضب لدى فئات في الجنوب، ويقول بوجود مظالم وقعت على البعض في الجنوب، لكنه يؤكد أن المساس بالوحدة اليمنية خط أحمر، وأن الأغلبية الساحقة من الجنوبيين مع الوحدة، وأنه ليس من حق أحد الادعاء بأنه يمثل الجنوب، وأنه ضمن مواقف دول الخليج والغرب لصالح الوحدة ضد حفنة من المتآمرين على شق وحدة البلد.
- الوحدة لا تعني نهب الأرض وحرمان الناس من ثرواتهم. وما دام الظلم والقهر موجودين فإنه حتى إذا ضمن الخارج فإن المشكلة ستظل قائمة، والمؤكد أن القضية ستتعقد أكثر إذا لم تُحل الآن.
> في تقديرك أن هذا الموقف الإقليمي المؤمن أمر واقع فعلاً؟
- الرئيس من يقول هذا.
> في حال أنه قائم فعلاً هل ترجح أن يستمر؟
- الحراك يراهن على ذاته وعلى الشعب. وصدقني أن المواطنين (في الجنوب) يبيعون أغنامهم كي يتمكنوا من المشاركة في فعاليات الحراك، ومن ليس لديه أغنام أو مواشي يبيع كيس قمح أو أي شيء بحوزته بأقل من سعره لكي يشارك في الحراك. الأجهزة الأمنية تدرك هذا، ويفترض أن توصل معلومات دقيقة للرئيس.
> بصرف النظر عن هذا، وأنا فعلاً اطلعت على حالات من هذا القبيل، ولكن أي حركة احتجاجات أو حتى حركة تحرر أو انفصال ليس بوسعها إلا أن تراهن على تأييد خارجي، إقليمي أو دولي.
- كمواقف سياسية.
> كمواقف سياسية في الوقت الراهن. وسؤالي هو عن تقديرك أنت كشخصية، لديها اتصالات وعلاقات في الداخل والخارج، لدقة ما يقوله الرئيس علي عبدالله صالح بشأن الموقف الإقليمي؟
- لا أعرف بالضبط مدى دقته، صحيح أو غير صحيح، لكن من المنطقي أن دول الجوار تريد استقراراً في اليمن، لأن عدم الاستقرار ضار بأمنها القومي. لكنها تدرك أن الاستقرار رهن بالرضا الشعبي، ولذلك لا أعتقد أنها ستساعد (الرئيس) علي عبدالله صالح على استمرار عدم الرضا الشعبي وقهر الناس.
> لعلك تتفق معي بأن هناك قلقاً لدى البعض في السلطة حيال الدور البريطاني في اليمن في ما يخص الجنوب، خلاف الأمر حيال واشنطن وعواصم غربية أخرى، وهذا القلق لا يتم التعبير عنه رسمياً، ولكن يدور في بعض المجالس، وأحياناً يعبر عنه في منابر إعلامية محسوبة على السلطة أو أطراف فيها، كيف تقرأ هذا القلق؟
- الأمريكان والأوروبيون وغيرهم لديهم مصالح في اليمن، وهذه المصالح يتم ضمانها بوجود استقرار، والاستقرار مرهون برضا الناس. ولهذا لا أعتقد أنهم يقرون ما يُمارس من تجاهل لمصالح الناس أو قهر فئات منهم لأن ذلك يؤدي إلى عدم الاستقرار. والذي أعتقده أن دول الجوار والدول الكبرى مجمعون على أن الوضع في اليمن غير طبيعي، وأن النظام غير صالح، ولابد من وجود نظام بديل صالح للبلد. ومع هذا فإن السلطة وعبر قنوات استخبارية مع دول الجوار والغرب قد تصدق ذلك، وتصَّور أن رحيل الرئيس علي عبدالله صالح سيؤدي إلى صوملة اليمن. والغرب يفضل الوضع الموجود على الصوملة.
> وحتى اليمنيون يفضلون هذا.
- صحيح. لكن إذا صح ما تروجه السلطة للخارج من أن الصوملة هي البديل، فإننا نبدو وكأننا في طائرة مختطفة إذا لم يقبل الخارج شروط الخاطفين فإنهم سيفجرونها.
> ورغم هذا فإن لبريطانيا خصوصية هنا، لأن لها إرثاً في الجنوب باعتبارها الدولة التي احتلته قرابة قرن وثلث، فما الذي يمنع من أن يكون لها مقاربة متمايزة عن واشنطن تجاه الجنوب؟
- هذا كان محتملاً في رئاسة بوش الابن، لكن في عهد أوباما والديمقراطيين فأنا أستبعد ذلك، لأن تجربة الأمريكان في العراق وأفغانستان، وحتى في فلسطين، أكدت لهم أنهم في حاجة إلى مشورة بريطانيا، ويمكن أن أقول بتحفظ بأن الدور القيادي في الشرق الأوسط كأنه صار لبريطانيا. وعندما تشعر واشنطن أنها محتاجة للدور الأوروبي في المنطقة، فإنها لن تثق بحليف أكثر من بريطانيا.
> ومع ذلك ألا تلمس قلقاً هنا من بريطانيا؟
- هذا القلق يعود إلى كون بريطانيا دولة احتلت الجنوب. وما أستطيع تأكيده هو أن علاقات أطراف في السلطة وأطراف في المعارضة ببريطانيا أوثق من علاقة جنوبيين بها. ومن البديهي أنه عندما تسلم سلطة قرارها لأطراف دولية أو إقليمية فإنها ستعرض نفسها لحركة أطراف أخرى نقيضة.
> عند هذه النقطة كيف يمكن قراءة تصريحات علي سالم البيض لجريدة "الأخبار"، فهو أشاد بلغة ودية مؤثرة بإيران وحزب الله وقطر. هل يمكن أن تتعامل هذه القوى مع البيض في مقابل حركة الرئيس علي عبدالله صالح باتجاه بعض دول الجوار والغرب؟
- الجنوبيون يجمعهم اتجاه واحد حتى وإن أبدى بعض الإخوة موقفاً مختلفاً، وهو اتجاه القضية الجنوبية. وفي ما يخص الوضع الإقليمي فإن هناك متغيرات طرأت عليه بعد مجيء أوباما. في رئاسة بوش الابن كان هناك تقسيم لدول المنطقة يقوم على أساس دول اعتدال، وهي أقرب إلى واشنطن، ودول ممانعة أقرب إلى الاتحاد الأوروبي. جاء أوباما وهو غير مشبع بفكرة زعامة أميركا للعالم التي كانت عند بوش وفريقه، واختلف الأمر.
> أوباما يريد أيضاً زعامة العالم ولكن بأسلوب ناعم وعبر مجلس إدارة الرئاسة فيه لواشنطن.
- نعم، ولكن بالشراكة مع أوروبا، واحترام مصالحها. من يدير العالم الآن هو أميركا وأوروبا، وبقية العالم في الهامش. وبعد مجيء الديمقراطيين إلى البيت الأبيض بدأ الأمر ينعكس على دول المنطقة، وبدأت دول الممانعة ودول الاعتدال تتقارب طبقاً لمقاربة المركز (الأوروبي والأميركي).
> وكيف برأيك سينعكس هذا التغيير على الوضع في اليمن، وبخاصة في ما يخص الجنوب؟
- النظام في اليمن يتعاطى مع هذه الأمور بسطحية، يحاول اللعب على التناقضات، واللعب هنا خطر جداً وفوق طاقة أي نظام عربي. والتناقضات بين القوى الكبرى لا ترحم، لاحظ ما حدث لجمال عبدالناصر، وكذلك ما حصل لصدام حسين الذي انحاز إلى فرنسا وأوروبا واستبدل الدولار باليورو. اللعب على تناقضات الدول الكبرى هو انتحار. أصحابنا هنا يلعبون هذه اللعبة، وسوف يأخذون البلد إلى الهاوية.
> لنناقش الآن الحزب الاشتراكي ومؤتمره العام. عندما عرض عليك الرئيس بعد الوحدة ترك الاشتراكي والانضمام إلى المؤتمر، أجبته بأنه إذا بقي في الاشتراكي شخص واحد فقط فسيكون أنت. أما زال هذا الموقف قائماً الآن؟
- شخصياً، وأظن أن هناك كثيرين مثلي، لا يوجد ما يبرر لنا الانتقال إلى حزب آخر غير الحراك. وكل ما نتمناه هو أن يستعيد الحزب الاشتراكي مكانته ويتبنى القضية الجنوبية بوضوح وينضم بالكامل إلى الحراك. الاشتراكي هو المسؤول تاريخياً عن القضية الجنوبية، ويفترض به أن يتميز عن الأحزاب الأخرى في موقفه تجاه هذه القضية بالذات. في دورة اللجنة المركزية الأخيرة التي عقدت في عدن كنا نتمنى أن يخرج الحزب بموقف واضح يختلف عن مواقفه السابقة، لكن للأسف لم يتم ذلك، فحصل انفعال لدى بعض أعضاء اللجنة المركزية، وفي مقدمتهم الأخ العزيز عبدالرحمن الوالي، وأعلنوا تشكيل حزب الأحرار الجنوبيين. والحق أن أعضاء اللجنة المركزية من الشمال، خلال تلك الدورة، قالوا بوضوح لزملائهم الجنوبيين وللأمين العام إنهم مع أي موقف يرونه بخصوص الجنوب، لكن الإخوان الجنوبيين، وأنا متأكد أنهم جميعاً مع الحراك، خشوا أن يعلنوا موقفهم حفاظاً على أواصر علاقتهم ببعض إخوانهم الشماليين.
> رغم أن هؤلاء تحدثوا بوضوح معهم بأنهم مع الرأي الذي يأخذونه؟
- نعم، قالوا لهم أي شيء ترونه سنكون معكم. في السياسة لا توجد عواطف. وكان يفترض بأعضاء اللجنة المركزية الجنوبيين أن يتخذوا موقفاً واضحاً، أنا لم أحضر سوى جلسة مسائية؛ فقد غادرت بسبب عدم قدرتي على تحمل الدخان، لكنني التقيت بأغلب أعضاء اللجنة المركزية الجنوبيين في بيتي في عدن، واتفقنا على ورقة نقدمها للجنة المركزية، تتضمن موقفاً مشرفاً للحزب، يتدارك هفوات الماضي، وتم التوقيع عليها من الموجودين.
> كم عدد الجنوبيين في اللجنة المركزية؟ وأسألك لغرض التمييز إجرائياً فقط.
- لم يحضر جميعهم، وبعضهم كان مطارداً من الأمن أو في السجن.
> أقصد في القوام الكامل وليس قوام دورة عدن.
- تقريباً نصف العدد.
> أليست الأغلبية شمالية، علماً أنني واثق بأن هناك شماليين أكثر تأييداً للحراك من جنوبيين؟
- في اللجنة المركزية قد تكون هناك زيادة طفيفة للأعضاء من الشمال، لكن الأكثرية في المكتب السياسي والأمانة العامة هي لأعضاء من الشمال. ونحن في الحزب بالتأكيد لا ننظر إلى الأمر من هذه الزاوية. وعلى أية حال فإن الموقعين على الورقة ذهبوا إلى اللجنة المركزية وطلبوا إدراجها في جدول الأعمال، لكن الأمين العام رفض الطلب.
> لماذا برأيك رغم حساسية اللحظة التي يمر بها الحزب؟
- لا أدري. وفي نهاية المطاف تمت الموافقة على تلاوة الورقة فقط. وعندما تم ذلك لم يعترض أحد على مضامينها كأنهم موافقون عليها، لكن تم تجاهل الورقة تماماً في البيان الختامي وقرارات الدورة، وهذا ولَّد رد فعل لدى الإخوان الذين خرجوا وعقدوا اجتماعاً. زارني بعضهم وقلت لهم لا داعي لأي ردود فعل الآن، يمكن أن نصدر بياناً نوضح فيه موقفنا.
> يمكن عزو موقفك هذا إلى خبرتك في التعاطي مع أزمات كهذه، فضلاً على أن وجدانك تشكل داخل الحزب، لكن ما حدث أن آخرين أعلنوا أنهم سيشكلون حزباً اشتراكياً (أو حزباً آخر) جنوبياً، ويبدو لي أن هذا المسار توقف.
- عندما جاؤوا إليَّ نصحتهم بالتخلي عن الفكرة، ولكنهم أصروا، فقلت لهم رد الفعل هذا خطأ، وستدركون لاحقاً ذلك.
> هم لا يزالون داخل الحزب الاشتراكي؟
- نعم. والعمل الأجدى كان أن تبادر منظمات الحزب في الجنوب إلى التنسيق مع بقية منظمات اللقاء المشترك، ويشكلون مجلس تنسيق أو لقاء مشتركاً جنوبياً، يتولى اتخاذ المواقف والقرارات وفقاً لاحتياجات ومطالب السكان الذين يمثلونهم.
> تعلم أن المركز (في صنعاء) هو المهيمن على القرار الحزبي خصوصاً في القضايا الكبرى مثل القضية الجنوبية.
- لذلك فإن هؤلاء الموجودين في المركز يدفعون الناس إلى مغادرة الأحزاب.
> بعد دورة عدن هل التقيت الدكتور ياسين سعيد نعمان؟
- لا. فظرفي الصحي يقيد حركتي، وهو كان مشغولاً، وربما غير راغب في ذلك.
> موقف الدكتور ياسين واضح في ما يخص القضية الجنوبية، إذ إنه يشدَّد على حل هذه القضية قبل أي أمر آخر. وفي أغسطس 2008 عطَّل الاتفاق بين المشترك والسلطة على الانتخابات، لأنه ضد إجرائها قبل معالجة القضية الجنوبية.
- من دون شك يوجد قرب.
> وإذن، أتجري اتصالات بينكم لتدارك التداعيات سواء في ما يخص الحزب الاشتراكي أو في ما يخص الانقسامات والتشظيات التي من الممكن أن تحدث داخل الحراك؟
- هناك شكوك موجودة لدى كثيرين من الإخوان لا أجد تفسيراً لها، وأيضاً هناك الكبرياء الموجودة لدينا في اليمن، والذاتية.
> الكبرياء أسوأ مستشار، كما يقول المثل.
- صحيح. قد أكون مخطئاً وليس عيباً أن أتراجع عن خطئي وأقول لك رأيك هو الصائب.
> هل جاء أحد من رفاقك في قيادة الحزب، بخاصة من أولئك الذين كان لهم موقف حاد منك، وقال لك كان تقديرنا خطأ ولم نكن لنتصور أن تذهب الأمور بعيداً؟
- لم يحصل هذا ولا أريده. الماضي ماض، وما أريده هو أن نعد للمستقبل. الوحيد الذي جاءني وقال لي هذا هو الأخ يحيى الشامي، وسمعت أن آخرين مثل يحيى أبو أصبع (الأمين العام المساعد) يقولون كلاماً مماثلاً.
> أردت فقط هنا أن يقرأ القراء هنا العلاقات الإنسانية داخل قيادة الحزب الاشتراكي.
- أنا لا أريد هذا لأن المسائل تتحول إلى مسائل شخصية.
> تجري تحضيرات لعقد المؤتمر العام السادس للحزب الاشتراكي، أين موقعك من هذه التحضيرات؟
- ليس من المعقول عقد المؤتمر في هذه الظروف، وهناك أسباب عديدة أولها أن جزءاً من كوادر الحزب الفاعلة لا تستطيع المشاركة، وهناك البعض في السجون، والبعض مطارد في الجبال، وثانياً أن الوضع السياسي في البلد لا يتيح عقد المؤتمر، وإذا انعقد فإنه سيكون باهتاً وقد يتولد عنه أزمة أخطر على الحزب، وثالثاً أن الناس منشغلون بقضايا كبيرة وخطيرة، وقد يؤدي هذا إلى انقسام داخل الحزب. ليس عيباً أن تؤجل اللجنة المركزية موعد انعقاد المؤتمر، فالنظام الداخلي يسمح لها بذلك إذا وجدت ظروف استثنائية.
> ولماذا لا يتم ذلك؟
- البعض يستعجل انعقاد المؤتمر لكي يغادر موقعه القيادي من بوابة المؤتمر العام. وهناك من وصل إلى قناعة مؤداها أن الحزب يقترب من النهاية ولا يريد أن يتحمل مسؤولية تاريخية عن ذلك كي لا يقال إن الحزب انتهى على يده. وهذا الهاجس أمره هين، يمكن للجنة المركزية أن تجتمع ويقدم المكتب السياسي استقالته لها، لأنه منتخب منها وليس من المؤتمر العام، واللجنة المركزية تشكِّل مكتباً سياسياً جديداً وأميناً عاماً جديداً.
> لكنك تتذكر أن الدكتور ياسين كان قبل عامين قد طلب إعفاءه من موقع الأمين العام، مقترحاً تدوير هذا الموقع خلال دورة اللجنة المركزية، فرفضت اللجنة المركزية، وأظنك كنت في لندن للعلاج.
- كنت موجوداً هنا، وكنت أول من رفض الاستقالة. رغم أن البعض يعتقد أنني سأرحب بها نظراً للاختلاف بيننا في بعض الآراء.
> وأظن الآن أن الغالبية في المكتب السياسي تتجه لصرف النظر عن الموعد المفترض لعقد المؤتمر في نوفمبر المقبل؟
- أنا شخصياً أعتقد أن عقد المؤتمر الآن هو سلوك انتحاري للأسباب التي ذكرتها، وأضيف عليها سبباً آخر هو الموقف من قيادات الخارج، هل سينتخبونهم؟
> تماماً كما حصل في المؤتمرين السابقين؟
- نعم، هل سينتخبونهم أم سيشطبونهم. فإذا انتخبوهم كيف، وإذا استبعدوهم كيف؟
> علي سالم البيض لم يعد يقدم نفسه كقيادي في الحزب بل كشخصية "وطنية جنوبية".
- ومن هنا فإنه قد يرفض إعادة انتخابه وتكون النتيجة نفسها.
> أفهم من كلامك أنك متفائل بأن يكون للحزب الاشتراكي كلمة في مستقبل الجنوب أو اليمن عموماً، كما كان في الماضي؟
- يستطيع الحزب أن يستعيد فاعليته ويتلافى الأمور إذا ارتقى الإخوان إلى مستوى المسؤولية في التعاطي مع الأحداث الجارية ومع القضية الجنوبية. ما الذي يخيفهم، حتى وإن كان لهم رأي متفرد (عن المشترك) في ما يتعلق بالقضية الجنوبية، فهذه القضية قضية وجود بالنسبة له، لأن الإصلاح شريك في الحرب على الجنوب.
> من الواضح أنك متمسك بانتمائك للاشتراكي، وما تزال تراهن أن يتعافى الحزب وتعود إليه الحيوية إذا تدارك أخطاءه السابقة، ألا يؤثر هذا سلباً على موقعك في الحراك، خصوصاً مع تعالي أصوات في الجنوب تطالب بإقصاء الاشتراكي؟
- قد يسبب إشكالاً عند بعض الأشخاص، لكنه إشكال مؤقت، وسيكتشفون (لاحقاً) أن موقفي هو الصحيح. هناك أمور يصعب الحديث عنها الآن رغم أنها قد تكون مقنعة لأصحاب الرأي القائل بالخروج من الحزب.
> كيف؟
- هناك أشياء يمكن أن تقنع المعارضين للبقاء في الحزب بأن البقاء هو الأسلم. ولكن هذا الإقناع يمكن أن يؤثر بشكل سلبي على آخرين لأنهم غير قادرين على استيعاب تطورات قادمة.
> تقصد يؤثر سلباً على الموجودين من أبناء المحافظات الجنوبية في الحزب؟
- نعم. الحزب الاشتراكي حزب معترف به من قبل السلطة والخارج، وحامل صيغة الجنوب، وقاد دولة الجنوب، ووجوده مع القضية الجنوبية هو بالتأكيد لصالحها، وإبعاده عنها يشكل خصماً منها. بعض الإخوة يرون أن الاشتراكي هو المشكلة ويجب التخلص منه بسبب عقدة أن يعود الاشتراكي ليحكم الجنوب مجدداً بعد كل هذه التضحيات، وهذا غير ممكن في الواقع، فالوضع تغير والقيم تغيرت. أنا لم أتمكن من الجلوس مع هؤلاء الذين هم ضد بقاء الناس في الحزب، لمناقشة الموضوع معهم من زاوية مصلحة القضية.
> تشدِّد دوماً على أن مشكلة الجنوبيين ليست في السلطة ولكن في "دولة الوحدة" ذاتها التي تصفها بـ"دولة الشمال".
- نعم، هناك بديهيات تم تجاهلها. هل يعقل أن يظل الجنوب مؤمماً، والملكية فيه للدولة في حين أن نمط الملكية مختلف في الشمال؟ كان المفروض إلغاء قوانين التأميم في الجنوب وإعادة تمليكها لأهلها. كما أن الاقتصاد في الجنوب كان عاماً في حين أنه في الشمال خاص، وغير ذلك من البديهيات التي تم تجاهلها.
> قبل الوحدة وجد قطاع عام في الشمال فالنظام كان مختلطاً.
- حتى العام كان خاصاً في الشمال (ضحك). كيف يمكن أن يكون وضع الوحدة طبيعياً في ظل وجود هذا؟
> تمت خصخصة كثير من المؤسسات العامة في الجنوب.
- متى؟
> بعد حرب 1994.
- ولصالح من؟
> لصالح الاقتصاد الوطني.
- (ضاحكاً) لصالح المتنفذين. التركيبة الاجتماعية كانت مختلفة في الجنوب، بسبب نمط الملكية فلم يكن هناك أغنياء كما هو الوضع في الشمال، وهذا لا يسمح بوحدة بينهما أصلاً.
> صحيح. ودعنا لا ننسى أن هناك من الجنوبيين من صار ثرياً بعد 1994. وعلى أية حال فإنه إذا أخذنا معدلات الفقر على مستوى المحافظات في اليمن، فإن المحافظات الأفقر هي في غالبها شمالية.
- ممكن هذا. والفرق أن المظلومين في الشمال مظلومون من دولتهم، بينما الظلم في الجنوب يتم باسم الوحدة. وطالما والسبب مختلف، فإنه من البديهي أن يكون الحل مختلفاً.
> أنا أفهم ما تقصده عندما تقول مثلاً إن الشمال استفاد من الخصخصة والجنوب لم يستفد، لكن ما يؤخذ على خطاب البعض هو ذلك التعميم عن الشماليين والجنوبيين، بعد الحرب كثيرون من أبناء الشمال استفادوا ولكن ليسوا جميعهم، وهناك من الجنوبيين أيضاً من استفاد من الحرب، بل ومنهم من مارس الفيد واستولى على ممتلكات آخرين، والآن هم من كبار الملاك.
- لا أتحدث الآن عن أوضاع ما بعد الحرب، وإنما عما قبلها. هناك أشياء غير مكتوبة ولكنها بديهيات، كان مفروضاً إلغاء قوانين التأميم وعودة الملكيات لأهلها، وتمليك الجنوبيين لأرضهم وثروتهم، وأن يعاد تصميم النظام الاقتصادي وتحويله من العام إلى الخاص لصالح الجنوبيين أنفسهم، فالنظام السابق في الجنوب عندما اعتمد الاقتصاد العام وأمم أملاكهم وثروتهم على أساس أن تكون الدولة مسؤولة عن كامل شؤون حياتهم، وبعد إعلان الوحدة اختلف الأمر رغم أنها أعلنت الوحدة على أساس الأخذ بالأفضل. أنا كنت رئيس لجنة... في المرحلة الانتقالية بعد الوحدة، وجدت أنه لا يوجد في الشمال ما هو أفضل إلا الموقف من الملكية الخاصة والدين، ولا يوجد في الجنوب ما هو أسوأ غير هذين الموقفين فقط. هذا ربما كان بداية المشكلة، لأن الإخوة في الشمال رأوا كل شيء كان أفضل في الجنوب باستثناء الموقف من الدين والموقف من الملكية الخاصة، ولذلك ماطلوا في قيام دولة الوحدة حتى قاموا بالحرب.
> ماذا تريد أن تستخلص من هذا؟
- أريد أن أقول إن الوحدة ليست موجودة. وهناك أيضاً التباين الثقافي، وكما ذكرت في الجزء الأول فإن الجنوب لا يستطيع العيش إلا في ظل دولة، وشمال الشمال لا يستطيع العيش في ظل دولة.
> عند هذه النقطة، لعلك قرأت لهارولد انجرامز مستشار الدولة القعيطية والحاكم السياسي لعدن، وصاحب الاتصالات المهمة بالإمام يحيى حميد الدين، وهو أيضاً مستشرق مهم، ففي كتاب له صدر عام 1963 أبدى تذمرا شديداً من بعض المناطق في الجنوب لأن سكانها يمارسون التقطع ولا يميلون إلى الاستقرار والعمل خلاف المناطق التي زارها في الشمال، وبخاصة مناطق تهامة وإب وتعز، حيث ينعم الناس بالأمن والاستقرار ويميلون إلى العمل.
- هو كان في حضرموت؟
> وعمل أيضاً في عدن، وكان له اتصالات بالإمام يحيى، وأظن أيضاً مع الإمام أحمد. وحتى حضرموت نفسها كان فيها قبائل لا تقبل الدولة.
- المدنية رسختها بريطانيا في عدن وحضرموت، وجاءت الثورة وعممتها على الريف. لم نعممها بخطبة جامع، بل بفرض القانون. صحيح أن هناك قسوة ولكن في سبيل تغيير اجتماعي، بينما الثورة في الشمال على عكس ذلك تماماً.
> ما أريد الإشارة إليه أن انجرامز قدم صورة مغايرة للصورة النمطية السائدة عن الشمال في الجنوب، ولدى الكثير من النخب في الشمال والجنوب. والمعنى هنا أن المسألة متصلة بالسياق السياسي والاجتماعي لأي شعب. في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي، وكنت طفلاً حينها، حمل السلاح في المدن لم يكن محبذاً بل منبوذ، والحركة التعاونية في السبعينيات كانت مزدهرة، حتى إن مواطنين كانوا يعملون طوعياً في بناء مدارس ومستوصفات، ويتبرعون بأراضيهم من أجل شق طرق تصل إلى أقاصي الأرياف. أي أن السياق السياسي والاجتماعي والثقافي هو ما يجعل الناس راغبين في أن يكونوا داخل الدولة أو خارجها.
- بدون شك. لكن هناك فرقاً بين مجتمع يستجيب، ومجتمع يقاوم.
> في عهد الحمدي استجاب المجتمع في الشمال في أغلبه.
- استجاب اليمن الأسفل.
> وحتى في مناطق قبلية حصلت استجابة، فالحركة التعاونية مثلاً كانت مزدهرة في همدان وسنحان وغيرهما. المجتمع في أغلبه استجاب باستثناء بعض المناطق في عمق مراكز القوى القبلية. والقصد هنا أن المجتمع اليمني في أغلبيته الساحقة استجاب لمشروع حاكم ينشد إقامة دولة مواطنة ودولة مدنية.
- هذا ممكن في حينه خوفاً من نظام عدن. وأذكر أنني عرفت الحمدي في حرب 1972. التقيت به في مكيراس، وكان عضواً في لجنة تمثل الشمال وأنا في لجنة تمثل الجنوب. في مكيراس خزنا (قات). عند المغرب غادر أعضاء اللجنة الشمالية للصلاة وبقي الحمدي الذي قال لنا: سلموا على الأخ سالم (ربيع علي) وقولوا له لا فائدة ترتجى من الشمال، ولا يمكن أن تصلح وحدة إلا إذا انتهت العمائم والجنابي، لكن في ظل العمائم والجنابي لا يمكن أن يستقر الوضع، ولا يمكن أن تبنى دولة، ولا يمكن للوحدة أن ترى النور.
> كيف كان وقع هذا الكلام عليكم؟
- صدقناه. شعرنا أن الرجل صادق. ولاحقاً ذهبنا وكلمنا سالمين. وسالمين ربط خطاً معه منذ ذلك الوقت.
> يعني العلاقة بينهما والتنسيق للوحدة بدأ قبل حركة 13 يونيو 1974؟
- نعم، من قبل ذلك.
> كانت هناك علاقة بينهما من الستينيات؟
- ليست معه بل مع أخيه عبدالله الحمدي.
> من كان حاضراً من الشماليين إلى جانب الحمدي؟
- لم أعد أتذكرهم، ولكن أظن أن عبدالله الراعي كان موجوداً في اللجنة الشمالية.
> ومن الجنوبيين؟
- كان معنا عبدالله الخامري وعوض مشبح، وهو حالياً عضو بمجلس الشورى، وآخرون. والمهم أن سالمين ربط خطاً مع الحمدي، وتقوت العلاقة بينهما، ولو كانت الوحدة تحققت في عهدهما لكان الوضع مختلفاً كلية. الحمدي كان متميزاً، وفي لقاء لاحق في صنعاء بين سالمين وآخرين كنت أحدهم، وبين الحمدي الذي كان قد صار رئيساً، ظهر متفتحاً ومثقفاً ومتنوراً، وكان عازماً فعلاً على بناء دولة عصرية. وللأسف فإن الحمدي وسالمين استُهشدا لأنهما كانا جادين في الوحدة، وقد ذهبا ضحية ذلك.
> أنت كنت حينها محسوباً على تيار سالمين؟
- أنا كنت من أقرب الناس إليه، وعندما وقعت أحداث يونيو 1978 كنت أدرس في موسكو، وإلا لكنت دخلت السجن أو القبر.
> وحسن باعوم أيضاً كان محسوباً على سالمين ودخل السجن؟
- نعم، كان مع سالمين.
> يعني أن العلاقة بينكما ضاربة في التاريخ؟
- (ضحك).
http://www.alnedaa.net/index.php?action=showNews&id=2919

عدن برس
2009-11-03, 02:44 AM
والانضمام إلى المؤتمر، أجبته بأنه إذا بقي في الاشتراكي شخص واحد فقط فسيكون أنت. أما زال هذا الموقف قائماً الآن؟
- شخصياً، وأظن أن هناك كثيرين مثلي، لا يوجد ما يبرر لنا الانتقال إلى حزب آخر غير الحراك.

ماذا يقصد مسدوس هنا ؟؟؟؟

فحمان
2009-11-03, 02:48 AM
صحيح. لكن إذا صح ما تروجه السلطة للخارج من أن الصوملة هي البديل، فإننا نبدو وكأننا في طائرة مختطفة
لله درك يابن مسدوس نسال الله لك العافية وطولة العمر
بارك الله فيك مردم جهنم

الطائر الجنوبي
2009-11-03, 02:55 AM
الاخ عدن برس
كلام الاستاذ مسدوس واضح جدأ
نتمنى ان يكون الاخرين بنفس وضوح الاستاذ محمد حيدرة

لك التحية

الطائر الجنوبي
2009-11-03, 02:58 AM
الاخوة الاعزاء
هل من احد يدلني على رابط الجزء الاول من المقابلة

لكم التحية

ابو شريف الحدي
2009-11-03, 03:46 AM
الاخوة الاعزاء
هل من احد يدلني على رابط الجزء الاول من المقابلة

لكم التحية

الاستاذ العزيز الطائر الجنوبي لك الحب والتحيه

اليك الرابط

http://www.alnedaa.net/index.php?act...owNews&id=2892 (http://www.alnedaa.net/index.php?action=showNews&id=2892)

الطائر الجنوبي
2009-11-03, 04:19 AM
الاستاذ العزيز الطائر الجنوبي لك الحب والتحيه

اليك الرابط

http://www.alnedaa.net/index.php?act...ownews&id=2892 (http://www.alnedaa.net/index.php?action=shownews&id=2892)

الاخ العزيز مردم جهنم
هذا الرابط للجزء الثاني من المقابلة
لو تكرمتم باعطائنا الرابط للجزء الاول من المقابلة

لك التحية

ابو شريف الحدي
2009-11-03, 04:39 AM
الاخ العزيز مردم جهنم

هذا الرابط للجزء الثاني من المقابلة
لو تكرمتم باعطائنا الرابط للجزء الاول من المقابلة


لك التحية

العزيز الغالي اليك نص المقابله الجزء الاول
الرابط لم اتمكن من الحصول عليه
مسدوس للنداء: بالنسبة للجنوبيين فإن أي سياسي جنوبي لا يستطيع أن يتجاوز الحراك، ومن يتجاوز الحراك يحرق في الشارع


مسدودس لـ« النداء»: رؤية الإنقاذ الوطني حصرت المشكلة في رأس الرئيس فقط
في البدء كان تيار «إصلاح مسار الوحدة ». لكن محمد حيدره مسدوس لم يرد في هذا الحوار الذي تنشره «النداء» على جزئين أن يتحدث كثيراً عن معارك الماضي التي خاضها داخل الحزب الاشتراكي لإقناع الأغلبية في هيئاته بضرورة التمترس في الجنوب من أجل القضية الجنوبية والوحدة معاً. الماضي لا يحضر في هذا الحوار إلا متى أدى وظيفة كاشفة للحاضر والمستقبل. وعبر ساعات هذا الحوار اعتمد أحد أبرز مؤسسي تيار إصلاح مسار الوحدة نبرة هادئة حتى وهو يخوض في مسائل الحاضر المحمولة بالصخب والهياج، وأسئلة المستقبل المسوَّرة بالنار، وتجارب الماضي المغمسة بالأحزان والمرارات.
كان هادئاً، تماماً كما هو في اللحظة الراهنة، اللحظة التي توارى فيها عن سبق وإصرار -كما قال لي- عن واجهة المشهد الجنوبي بسبب قلبه الذي يقاسي التضخم، ولكن أيضاً بسبب عقله الذي يقدِّر أن الأيام الجنوبية المقبلة تحتاج إلى دوره في ظلال المشهد بأكثر مما تتطلب حضوره في أضواء الواجهة حيث يتسابق كثيرون على حجز موقع لهم في الصدر! والحاصل أن محمد حيدرة مسدوس، الرجل الذي اختار أن يتوارى، حاضرٌ، كما يبرهن في هذا الحوار، بأكثر مما يتصوره أشد الممسوسين به، داخل الحزب الاشتراكي أو في السلطة أو في الحراك. وبالنظر إلى حساسية موقعه الريادي في الحراك، فقد تقرر أن يتم هذا الحوار طبق اتفاق مبادئ بيننا.
يقضي المبدأ الأول بأن نتجنب الإشارة إلى الخلافات بينه وبين رفاقه في الحزب، الأحياء قبل الأموات، حول قرارات الأغلبية الحزبية بشأن الانتخابات ومصير الوحدة بعد حرب 1994.
وقد تم الالتزام من قبلي بهذا المبدأ إلا متى وجبت الإشارة إلى مواقف سابقة تعين على قراءة تطورات راهنة.
المبدأ الثاني كان بشأن رأيه في التطورات المتسارعة في الجنوب والتقلبات الدرامية في المواقف والاصطفافات جنوباً وشمالاً. وكان الاتفاق على أن يتم الحوار بالمسجل كي يكون نابضاً بالحياة على أن يتم نشره بعد حذف كل ما قد يتسبب في جرح أشخاص، أياً تكن مواقعهم ومواقفهم.
والحق انني لم أجد وأنا أحرِّر هذه المادة ما يستوجب الحذف، فقد بدا مؤسس « تيار إصلاح مسار الوحدة» يقظاً ومتحوطاً عبر مسار هذا الحوار. وقد سد -كما أزعم هنا- كل منفذ من شأنه أن يحرف مسار علاقته بالصحيفة حتى لا يضطر لتأسيس تيار إصلاح مسار الصحافة المستقلة.
وقضى المبدأ الثالث بأن يطلع على نسخة من الجزء الأول من هذا الحوار قبل نشره، على أن لا يجري أي تعديلات أو تصويبات إلا بالتفاهم معي، ومتى قدِّر أن في ما حُرِّر تجاوزاً للمبدأين الأولين. واعترف هنا أنني خرقت هذا المبدأ، إذ أن مشاغل عدة حالت دون إرسال نسخة من الحوار في التوقيت المتفق عليه (مساء الخميس أو نهار الجمعة).
وفي هذا الحوار يعرض محمد حيدرة مسدوس مواقفه من التطورات التي حدثت خلال العامين الماضيين. ومن موقعه الأصيل داخل الحياة السياسية، وبخاصة في قلب الحراك الجنوبي -رغم وجوده في العاصمة -يقدِّم للقارئ زوايا جديدة للنظر في أعماق الحراك الجنوبي ومقدماته ومساره الذي بدوره قد يحتاج إلى تيار إصلاح -ليس علنياً بالضرورة- يحول دون انزلاق مكوناته نحو العنف والإقصاء والانعزالية.
حـوار: سـامي غالـب
* لجنة الحوار الوطني أطلقت مشروعاً، ودعت مكونات الحراك والقوى السياسية في الداخل والخارج إلى الحوار. هل يمكن أن يستجاب لها؟
- لابد لأي حوار أن تكون له موجبات موضوعية، هذه الموجبات هي أصلاً موجودة، لكن الإخوة في المشترك ولجنة الحوار الوطني ابتعدوا كثيراً عن هذه الموجبات. ولأنهم ابتعدوا عنها فأعتقد ألا تكون هناك استجابة من المعارضة في الخارج.
القضية الجنوبية لها طرفان: الطرف الجنوبي والسلطة. الجنوبيون في 1994، كانوا طرفاً في الأزمة، وطرفاً في الحرب، ومن البديهي أن يكونوا الآن طرفاً في الحوار، وطرفاً في الحل، سواءً كان الطرف المقابل لهم هو السلطة أو المعارضة.
هذه القضية (الجنوبية) تتطلب بالفعل حواراً، الوثيقة للأسف ذهبت بعيداً عنها. نفس الشيء بالنسبة لمشكلة صعدة، الوثيقة لم تتناولها بشيء من الحلول. كنت أفضل أن يوجه الإخوة في المشترك ولجنة الحوار دعوة للجنوبيين، ودعوة للحوثيين، كلٍّ على حدة. يبحثوا مع الجنوبيين القضية الجنوبية وكيفية حلها، ويبحثوا مع الحوثيين مشكلة صعدة وكيفية حلها، وبعد أن يتفقوا على حل القضية الجنوبية مع الجنوبيين، ويتفقوا مع الحوثيين على حل لمشكلة صعدة، كان بالإمكان إيجاد وثيقة يتحقق إجماع عليها، وتتشكل جبهة وطنية تضم هذه الأطراف.
> على حد علمي فإن ترتيبات تجري حالياً مع شخصيات لها وزن في الخارج مثل علي ناصر محمد وحيدر العطاس لبحث هذا الموضوع.
- "
إن كانت الدعوة للجنوبيين كجنوبيين لبحث القضية الجنوبية والاتفاق على حلها، هذا ممكن. لكن الدعوة إلى الحوار أو إلى مؤتمر وطني على أساس الوثيقة التي اطلعنا عليها فأنا لا أعتقد أنها ستكون دعوة مجدية، ولا أعتقد أنها ستلقى استجابة.
> علاوة على هذا النقد للآليات، ما هي ملاحظاتك الأخرى على هذه الوثيقة؟
- المشاريع تكون في العادة خلاصة للحوار مع أطراف المشكلة، لا أن يصممها طرف واحد، وهو لا يدرك كيف يفكر الطرف الآخر حيالها. في تقديري الشخصي أنها لن تكون مجدية، وأقترح على أصحابها تجاوز هذه الوثيقة، وأن يدعوا الجنوبيين للحوار حول كيفية حل القضية الجنوبية.
> أي أنك تعتقد أن هذا المشروع لا يصلح لأن يكون ركيزة، أو منطلقاً، لحوار مع مختلف الأطراف، وبخاصة الحراك الجنوبي.
- نعم. المفروض تكون الدعوة للحوار على أساس مبادئ، وتترك التفاصيل للحوار. الوثيقة جاءت بكل التفاصيل بصورة غير واضحة، ولا تؤدي الغرض، وكان من الأفضل للإخوة الذين دعوا للحوار وفق هذه الوثيقة، أن يذهبوا للرئيس ويقنعوه بالمشكلات.
> هم يقولون إنهم دائماً في لقاءاتهم مع الرئيس يطرحون عليه هذه المشكلات وأهمية الاعتراف بها كمدخل لمعالجتها، لكن دون جدوى. حتى إن أحد هذه القيادات قال لي إنهم يائسون تماماً من الرئيس، وما من بديل سوى الذهاب للتفاهم مع الحراك والحوثيين.
- إنْ كان هذا صحيحاً فلماذا لا يقولون للرأي العام المحلي والخارجي بأنهم قد طرحوا المشكلات على السلطة، وطلبوا منها الاعتراف بها وإيجاد حلول لها والسلطة رفضت. إذا يريدون معالجة المشكلات بشكل عملي وجدي ممكن يقومون هم بوظيفة السلطة.
> تقصد أي وظيفة، هل تقصد أن يذهبوا مباشرة للحوار مع الأطراف الأخرى؟
- التعامل مع القضية الجنوبية والتعامل مع مشكلة صعدة. يعقدون مؤتمراً صحفياً، ويعلنون اعترافهم بالقضية الجنوبية، ويدعون الجنوبيين للحوار من أجل إيجاد حل لها، والأمر نفسه بالنسبة للحوثيين. بعد أن يتفقوا مع الجنوبيين حول كيفية حل القضية الجنوبية، وبعد أن يتفقوا مع الحوثيين حول كيفية حل مشكلة صعدة، يمكن هنا أن تتشكل جبهة موحدة ويفرضوا الحل الذي يتفقون عليه عبر عصيان مدني.
> أيمكن في الوقت الراهن أن ينفتح الحراك الجنوبي على أحزاب المشترك؟ تعلم أنه في الفترة الماضية وجدت أزمة ثقة ومصداقية. قياديون في المشترك يشيرون إلى أن الحراك يتعامل مع أي بيان للمشترك يؤيد مطالبهم باعتباره محاولة للالتفاف على الحراك أو اختراقه.
- هذه موجودة فعلاً. وتجاوز أزمة الثقة هو في يد اللقاء المشترك والمعارضة. ويمكن للمعارضة أن تزيل أسباب هذه الأزمة، وتثبت للآخرين مصداقيتها. اللقاء المشترك، والمعارضة عموماً، لم يكن موقفه من القضية الجنوبية إيجابياً منذ البداية، تم اعتماد أسلوب التجاهل تجاه القضية الجنوبية، وهذا أعطى انطباعاً لدى الشعب في الجنوب بأن الكل تخلى عن قضيته. معالجة أزمة الثقة الآن في يد المعارضة (المشترك) بأن تبرهن للجنوبيين أنها صادقة ومستعدة للعمل من أجل معالجتها.
> قيادات وناشطون في الحراك يكررون دوماً بأن الحراك يخرج في مسيرات واعتصامات في المحافظات الجنوبية، ويسقط جراء ذلك شهداء وجرحى ويُقتل العشرات، فيما الشارع في العاصمة ومدن أخرى في الشمال هادئ، وكأن ما يجري في الجنوب لا يعنيه، وهم يحملون المشترك مسؤولية هذا التراخي. ويحضرني الآن ما قاله لـــ"النداء" ناشط في الحراك قبل نحو عام ونصف العام، رأى أن المشترك غير مطالب بالمشاركة في فعاليات الحراك في الجنوب بقدر ما هو مطالب بإثبات صدقيته في معارضة السلطة في الشمال، وتحريك مسيرات واحتجاجات ضد
المظالم التي يكابدها أبناء الشمال، وسيتم اللقاء بين الحراك والمشترك تلقائياً. ما يعني أن قيادات الحراك يريدون من المشترك توكيد مصداقيته أولاً قبل إطلاق أية دعوات أو مبادرات.
- هذا كلام صحيح من الناحية النظرية، لكن من الناحية العملية في صعوبة. أنا شخصياً لا أعتقد أن المشترك والمعارضة ليست لديهما رغبة في تحريك الشارع الشمالي. أنا مقتنع أن لديهم رغبة، لكن يشعرون بصعوبة تنفيذ ذلك.
> تقصد أن المسألة مسألة قدرات؟
- لا. الصعوبة قد لا تكون موجودة في أذهان الناس، أو أنهم لا يريدون لهذه الصعوبة أن تظهر، لكنها موجودة في الواقع. أذكر أنني ناقشت الشهيد جار الله عمر حولها قبل استشهاده بعدة سنوات، تقريباً في أواخر 1997، بعد الانتخابات النيابية. جرى ذلك في بيتي، وبحضور عبدالواحد المرادي. كنا مختلفين حول موقف الحزب من القضية الجنوبية، وبادر المرادي واقترح أن نجلس، جار الله عمر وأنا، لنتفق أولاً، وبعد أن نتفق يمكن أن نوسع نطاق النقاش ليشمل أعضاء المكتب السياسي. جاء إلى بيتي (السابق في منطقة حدة) جار الله عمر وعبدالواحد المرادي. قلت لجار الله عمر خلونا نقرأ الواقع بشكل سليم إذا نريد الحفاظ على وحدة الحزب، وكي يبقى قائداً في الجنوب. أنا متأكد أن الواقع في الشمال أفضل، ولو نسبياً، عما كان عليه قبل الوحدة. سألني: من أي ناحية أفضل؟ قلت من الناحية السياسية، الناس كانوا مقموعين ولا يستطيعون النقد، ولا يوجد هامش لحرية الصحافة أو حرية العمل الحزبي، وكان الدستور الشمالي يقول من تحزب خان، هذا قبل الوحدة، أما الآن فهذا ليس موجوداً، ما يعني أن الوضع من الناحية السياسية أفضل مما كان عليه قبل الوحدة. صحيح أن الديمقراطية شكلية، لكن بالمقارنة مع ما كان قبل الوحدة، الوضع أفضل نسبياً. وكذلك الحال من الناحية السيكولوجية، ومن الناحية الاقتصادية أيضاً، فالمظلومون في الشمال تمكنوا من الحركة، سعياً وراء الرزق، في الجنوب، وتحسن وضعهم. لكن في الجنوب الوضع أسوأ من كل النواحي عما كان عليه قبل الوحدة، إذن، كيف أنا في الجنوب أستطيع إقناع السكان بقبول الأسوأ، وكيف أنت في الشمال تستطيع إقناع السكان برفض الأفضل؟ يوجد اختلال في الواقع، وواجبنا أن نستوعبه في السياسة.
جار الله عمر قال: ألا يوجد قاسم مشترك في نظرك؟ قلت له هناك قاسم مشترك وهو "وثيقة العهد والاتفاق". رد: ومن قال إننا تخلينا عنها؟ أوضحت: المشاركة في الانتخابات،
فعندما تشاركون في الانتخابات، فهذا يعني عملياً تخليكم عن الوثيقة.
> لأن الوثيقة في هذه الحالة أعلى من الدستور؟
- نعم. كان ينبغي على المعارضة كلها أن تشترط للمشاركة في الانتخابات تنفيذ وثيقة العهد والاتفاق التي وقع عليها الرئيس علي عبدالله صالح، وأجمعت عليها القوى السياسية كلها.
> لنعد إلى النقطة الأساسية، أنت ترى أن المعارضة لديها الرغبة في تحريك الشارع، لكن إمكانية تجسيد هذه الرغبة غير ممكنة، لأن الوضع في الشمال تحسن عما كان عليه قبل الوحدة، وبكلمة أخرى، يصعب تحريك الشارع في المحافظات الشمالية في قضية لها علاقة بالوحدة؟
- بالضبط. لن تكون الاستجابة في الشمال كما هي في الجنوب. وهذه المسألة ينبغي على السياسيين أخذها في الاعتبار، لا أن يأتوا لــــ"يكعفوا" الناس، إما أن يكعفوا الجنوب لما هو في صالح الشمال أو العكس، وهذا ما يحصل الآن.
>
> لكن الحراك الجنوبي لم يعد يقبل الصيغة الفدرالية، وسقفه فك الارتباط. لعلك تذكر كيف أن الحكم المحلي قبل عدة سنوات كان بمثابة الكفر في وعي النخبة الحاكمة، والآن ينظر إلى الفدرالية على أنها كفر. هل تتصور أن تكون الفدرالية مخرجاً في الأمد القصير؟
- المسألة أولويات. الخطوة الأولى بالنسبة للمشترك هو أن يحدد موقعه من المشكلات. إذا هم يرون أن الحراك على حق والسلطة على باطل، فهم ملزمون أخلاقياً ووطنياً بأن يكونوا مع الجنوبيين. أما إذا رأوا أن الجنوبيين على خطأ فيمكن أن يكونوا بوضوح مع السلطة. وكذلك الأمر في ما يخص مشكلة صعدة. عندما يتحقق الوضوح في موقعهم وموقفهم، يستطيعون التفاهم مع الآخرين. إذا قالوا إن الحراك الجنوبي على باطل يكون في إمكانهم التوصل إلى لغة مشتركة مع السلطة. إذا هم مقتنعون أن الجنوبيين محقون والسلطة على باطل، فإنهم عندما يعلنون موقفهم سيجدون لغة مشتركة مع الحراك. هذه الخطوة الأولى، وإذا تمت ستأتي الخطوات اللاحقة، ولكن إذا تحقق الصدق وليس عبر تكتيكات.
> كما تعلم فإن لجنة الحوار الوطني وهي تصوغ رؤيتها للإنقاذ أجرت اتصالات ونقاشات مع منظمات وشخصيات، هل اتصلت بك اللجنة وتناقشت معك أو على الأقل استمعت لوجهة نظرك؟
- زارني بعض الإخوة من اللجنة وعرضوا عليَّ الفكرة. نصحتهم أن تكون الخطوة الأولي قبل إعداد الوثيقة هو اختيار لجنة من أشخاص قادرين على الحديث، وأن تطلب هذه اللجنة لقاء بالرئيس (علي عبدالله صالح)، ويقدموا أنفسهم للرئيس باعتبارهم أنداداً وليس مرؤوسين. واقترحت عليهم أن تطرح هذه اللجنة 5 قضايا على الرئيس هي: القضية الجنوبية، ومشكلة صعدة، وتنظيم القاعدة، وقضية الفساد، وأخيراً القضية الاقتصادية. هذه القضايا الخمس تهدد البلاد بالصوملة إذا لم تعالج. والسلطة أظهرت حتى الآن أنها عاجزة عن معالجتها. وعليهم أن يقولوا للرئيس: سنكون مع السلطة في حال كانت جادة في معالجة هذه القضايا. سألوني: كيف يتم طرح هذه القضايا على الرئيس؟ أجبت قائلاً: بخصوص القضية الجنوبية اطلبوا من الرئيس أن يعترف بها، بحيث يدعو الجنوبيين للحوار حول حلها. كذلك الحال في ما يخص مشكلة صعدة، بحيث يدعو الرئيس الحوثيين للحوار حول مشكلة صعدة، وهكذا. وأعتقد أنه إذا حُلت القضية الجنوبية فإن القضايا الأخرى جميعها ستُحل.
> تقصد أن القضية الجنوبية هي سبب عجز السلطة عن إدارة الأزمات الأخرى جراء غياب التوازن؟
- طبعاً. سألني الإخوة من لجنة الحوار بعد أن عرضت عليهم اقتراحي: وفي حال رفض الرئيس هذا؟ قلت: قولوا له بوضوح إن الوطن لنا كلنا، ولا يمكن أن نكتفي بالتفرج وأنتم تقودونه إلى الهاوية، ونحن سنقوم بواجبنا. اخرجوا من عنده، وادعوا الصحافة والهيئات الدبلوماسية إلى مؤتمر صحفي، وأعلنوا اعترافكم بالقضية الجنوبية، ووجهوا الدعوة إلى الجنوبيين للحوار على الحل، وكذلك في ما يتعلق بصعدة. وعندما يتم الاتفاق مع الحراك والحوثيين على الحل يمكن إعلان عصيان مدني يفرض الحل على السلطة.
> بماذا ردوا عليك؟
- غادروا منزلي وهم مقتنون بما طرحته، لكن الأمور سارت في اتجاه آخر.
> هناك من يرى أن المشترك لم يحسم خياره بعد حيال هذه الأزمات والقضايا، ولذلك يراوح حول إطلاق مبادرات، وهناك من يعتقد أن الأمور قد خرجت عن نطاق سيطرة المشترك عليها؟
- لا أعلم كيف يفكرون. إما أنهم لا يقرؤون الواقع بشكل صحيح، وإما أنهم غير جادين. لا أعرف ماذا يدور في رؤوسهم، لكني أقرأ ما يدور في الواقع.
> هذا النقاش جرى قبل إعلان وثيقة الرؤية؟
- صحيح. تم أثناء إعداد الوثيقة من قبل لجنة الحوار.
> دعنا نتحدث عن مواقف الأطراف المعنية بهذه الوثيقة. تعلم أن السلطة رفضت هذه الوثيقة فور إعلانها. بالنسبة للأطراف من خارج السلطة، فإن عبدالملك الحوثي أشاد قبل أسبوع بالوثيقة وأعلن ترحيبه بالحوار، لكن الأطراف الأخرى تجاهلتها، سواء مكونات الحراك أو القيادات الموجودة في الخارج سواءً علي سالم البيض أو علي ناصر أو حيدر العطاس.
- بالنسبة للحوثي فإنه تعامل بذكاء سياسي. هو كان يخشى انضمام المشترك إلى السلطة في حربها ضده. ولذلك بادر إلى الترحيب بالوثيقة لقطع الطريق أمام رهان السلطة على استمالة المعارضة إلى صفها. الآن وبعد موافقة الحوثي، فإن المعارضة لا تستطيع تأييد السلطة.
> أيمكن القول أيضاً إن مطالب الحوثي لا تتصل بصميم النظام السياسي وتركيبته بقدر ما تتعلق بشؤون ذات طابع محلي (في صعدة وغيرها)، ما يجعله منفتحاً وأقل حساسية تجاه مبادرة المعارضة؟
- مشكلة صعدة غامضة. انفجرت فجأة ودون مقدمات، ودون أن يدرك الرأي العام أسبابها وحيثياتها، وتعمقت الشكوك عندما اتخذ الرئيس العام الماضي قراراً بوقف الحرب الخامسة، وكأن وقفها أو استمرارها رهن بطرف واحد، ولكن إذا اجتهد المرء يمكن أن يستنتج أن الحوثيين قلقون وكأنهم يستشعرون خطر طمس مذهبهم وتاريخهم، هذا ما أعتقده.
بالنسبة للجنوبيين فإن أي سياسي جنوبي لا يستطيع أن يتجاوز الحراك، ومن يتجاوز الحراك يحرق في الشارع. توجد أزمة ثقة بين الحراك والمعارضة، وهذه الأزمة سببها المعارضة واللقاء المشترك. صحيح أن المشترك يلاحظ أن بعض الشعارات (التي يرفعها الحراك) مزعجة ومقلقة وتخيفهم، لكنهم للأسف يقرؤون هنا النتيجة، ولو قرأوا الأسباب لوجدوا أن هذه الشعارات إفراز طبيعي، وهنا ستزول مخاوفهم. على سبيل المثال لو أن الحزب الاشتراكي اليمني تبنى القضية الجنوبية منذ البداية، لكان الحراك ظهر تحت قيادته، ولن يعود ممكناً أن يبحث عن قيادة غير الحزب الاشتراكي. وإذا كان هذا حصل هل كانت ستظهر شعارات تخيف المعارضة، وهل كانت ستظهر قيادات أخرى؟ بالتأكيد لا.
لنأخذ الحالة المعاكسة، لو أن الاشتراكي بعد حرب 1994 مباشرة أعلن رسمياً تخليه عن القضية الجنوبية كان سيظهر حامل سياسي لهذه القضية قبل أن يظهر الحراك، وكان الحراك الحاصل الآن سيظهر تحت قيادة هذا الحامل السياسي ولن يخرج عنه، وسيتوفر للحراك عندها قيادة موحدة وشعارات موحدة.
ما يحصل الآن هو نتيجة طبيعية سببها سياسة قيادة الاشتراكي تجاه القضية الجنوبية، ولذلك انفجر الشارع الجنوبي دون أن يكون هناك حامل سياسي يقوده.
> لكن الحراك يبلور حالياً صيغة قيادية؟
- بشكل حتمي سيأتي حامل سياسي للحراك يجمعه في قيادة واحدة وخطاب سياسي واحد وشعار موحد.
> واضح أنه ليس بوسع أي طرف أو قيادي أن يحتكر لنفسه قيادة الحراك. لكن لنعد للمشترك، لعلك تتفق معي بأن المشترك بدا فاعلاً في السنة الأولى للحراك، وذلك عبر فروعه في المحافظات الجنوبية الشرقية، غير أن حضوره انحسر تدريجياً حتى إنه صار غائباً كلياً عما يجري كما هو ظاهر في فعاليات الحراك أمس (14 أكتوبر 2009)، هل ترى أن تفاوت الأوزان والتقديرات داخل المشترك ومحورية التجمع اليمني للإصلاح داخله، جعل المشترك أقل حساسية تجاه التطورات في الجنوب، وأنا هنا لا أقصد نقد "الإصلاح" بقدر ما أريد تحليل الأمور بموضوعية؟
- لو عدنا بالذاكرة قليلاً إلى الوراء لنلتقط اللحظة التي انفجر فيها الحراك، مقدمات الحراك معروفة منذ حرب 1994، ولكن لماذا انفجر في 2007؟ لأن المشترك وقع على وثيقة (اتفاق مبادئ حول الانتخابات)مع السلطة تعتبر أن القضية الجنوبية قضية حقوقية. هذه الوثيقة فصلت تماماً بين المشترك والجنوب، لأن الشارع الجنوبي فقد الأمل تماماً في اللقاء المشترك معه.
> على ما أعتقد كان لديك حينها وجهة نظر نقدية حيال هذه الوثيقة، وبخاصة موقف الاشتراكي.
- وقتها كنت مريضاً في لندن، وعندما سمعت بخبر التوقيع على الوثيقة كتبت مقالاً وأرسلته بالفاكس إلى صحيفة "الأيام" التي نشرته. كان التوقيع خطأ، وبسببه بدأ الشارع الجنوبي يبحث عن حامل سياسي غير الاشتراكي وغير اللقاء المشترك، وهنا بدأت المشكلة، وأن يصحح المشترك الآن خطأه ليس عيباً. أبو مازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) اعترف أنه طلب تأجيل التصويت على تقرير جولدستون خطأ، وأعلن أنه مستعد لتصحيح هذا الخطأ. وعلى المشترك أن يعترف بأنه أخطأ، مافيش في هذا عيب.
> عندما يقول المشترك الآن في رؤيته إن القضية الجنوبية موجودة وينبغي معالجتها ويدعو السلطة إلى الاعتراف بها، فهو ضمنياً يتدارك خطأه، صحيح أنهم لم يقولوا علناً بأنهم أخطأوا لكن الاعتراف الضمني موجود.
نقلا عن صحيفة " النداء[/color][/size]

alamaken
2009-11-03, 05:08 AM
شكرا اخي العزيز على النقل

مجنون شبوة
2009-11-03, 05:51 AM
تحية من أعماق القلب لهذا الرجل العملاق
مسدوس
ربنا يحفظه للجنوب

الدعاسي
2009-11-03, 08:14 AM
صنعاء – " النداء " – لندن " عدن برس " : 3 – 11 – 2009 http://www.al-tagheer.com/user_images/news/23-05-09-452036437.pjpeg
مسدوس:الحمدي حمَّلنا رسالة لسالمين فحواها الوحدة غيرممكنة في ظل العمائم والجنابي
في الجزء الثالث من هذا الحوار يواصل محمد حيدرة مسدوس عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني، ونائب رئيس الوزراء الأسبق، وأبرز أقطاب تيار إصلاح مسار الوحدة، عرض آرائه وتصوراته بشأن الحراك الجنوبي والوحدة اليمنية.

وإذ يعبِّر عن تفاؤله بإمكان أن يسترد الحزب الاشتراكي عافيته إذا التحق كلية بالحراك الجنوبي، يشدِّد على ضرورة تأجيل المؤتمر العام للحزب الاشتراكي، لأن انعقاده في الظروف الراهنة هو بمثابة سلوك انتحاري.
وبشأن احتمالات انزلاق مكونات الحراك الجنوبي إلى دائرة العمل العنف ، ينبه مسدوس إلى أن العنف يصب في مصلحة النظام، وينصح قادة الحراك بالتمسك بالنضال السلمي وإقناع دعاة العنف بميزات العمل السلمي.


- حوار: سامي غالب
> لنتحدث عن الملمح السلمي للحراك. أعرف أن لديك تحفظاً حول مسمى "مجلس قيادة الثورة السلمية"، لا أقصد المجلس في ذاته كمكون، ولكن الصفة الثورية في الاسم.
- أنا أفضل التسمية التي طلعت تلقائياً من الشارع الجنوبي، وهي: "الحراك الجنوبي". هذه التسمية اعترفت بها السلطة والمعارضة والعالم. والحديث الآن في الإعلام، سواء الداخلي أو الخارجي، هو عن "حراك جنوبي". استبدال هذه التسمية بتسمية أخرى ليس في صالح القضية وليس في صالح الحراك، وليس مفيداً. لهذا أنا متمسك بتسمية الحراك الجنوبي، وأية تسمية أخرى لا أراها صائبة.
> هل أبلغت هؤلاء الذين شكلوا المجلس هذا الرأي؟
- نصحتهم، والحوار يدور حول هذه الفكرة، وهم يدرسونها واحتمال يوافقوا عليها.
> وماذا عن التسميات الأخرى مثل المجلس الوطني والهيئة الوطنية للاستقلال ونجاح؟
- ممكن أن يكون الاسم مشتقاً من الحراك أو منسوباً إليه، مثل المجلس الوطني للحراك الجنوبي، نصحت كل الأطراف وألمس استجابة منهم.
> الحراك، كما تعلم، تميز بأنه سلمي، وهذه ميزة غير مسبوقة في تاريخ المعارضات والاحتجاجات اليمنية. هذه الميزة كانت واضحة لدى الناشطين في الحراك خلال عامي 2007، و2008. الأمور، كما تبدو الآن، تأخذ منحى آخر، إذ نسمع من البعض تلويحاً باللجوء إلى القوة، كما تحصل أحياناً صدامات في الشارع. ألا تنتابك خشية من ضياع هذه الميزة؟
- الحراك سلمي، واستراتيجيته سلمية. وكل أطراف الحراك مقتنعة بالمبدأ السلمي وتنبذ العنف، وهذا المبدأ لا يمكن التخلي عنه. لكن قد تقوم أطراف خارجية أو أطراف أمنية من السلطة بدس عناصر في فعاليات الحراك للقيام بشغب كما حدث في الحبيلين والضالع (2008). الشغب حصل في الحبيلين والضالع، ولكن الاعتقالات وقعت في عدن، ما يؤكد أن السلطة وراء الشغب لتبرير الاعتقالات.
> ولكن هناك في الحراك من يلوِّح بالعنف. علي سالم البيض قال لجريدة "الأخبار" البيروتية إن الطابع السلمي للحراك ليس سقفاً، وقال كلاماً مشابهاً في تصريحات لقناة فضائية، ويوجد آخرون يلوحون بإمكان اللجوء إلى وسائل أخرى.
- لا أعتقد أن يتجه الحراك إلى العنف، هذه استراتيجية. من المحتمل أن تكون هناك حالات شاذة تقع هنا أو هناك، وكما قلت فإن هذا قد يكون بسبب تدخلات خارجية أو تدخلات جهات أمنية. بالنسبة للبيض فأنا لم أسمع منه كلاماً في هذا الخصوص، وما سمعته هو تأكيداته في أكثر من مرة، بالتمسك بالنضال السلمي.
> صحيح، أكد التمسك بالنضال السلمي مراراً. هذا ما فهمته من قوله إن الحراك السلمي ليس سقفا. ومع ذلك سأدقق في ما قاله لجريدة "الأخبار".
- ما أستطيع تأكيده هو أننا مقتنعون بأن الحراك سلمي ولا يمكن حرفه إلى العنف، لأن العالم كله مع النضال السلمي والديمقراطي، وفي حساب الربح والخسارة فإن الإنسان العاقل يدخل على خصمه من نقطة ضعفه وليس من نقطة قوته. ونقطة ضعف السلطة هي العمل السلمي، لأن السلطة لا تملك منطقاً في ما تمارسه. وسأعطيك مثلاً؛ حتى الآن لا تستطيع السلطة أن تحرك مسيرة في الجنوب مؤيدة لها إلا إذا جمعت عسكريين وأمنيين. حتى الجنوبيون الموظفون في السلطة بافتراض قناعتهم بالوقوف مع السلطة، فإنهم لا يستطيعون الوقوف معها في قمع النضال السلمي في الجنوب، لكن إذا انحرف النضال السلمي نحو العنف فهناك إمكانية لوجود جنوبيين يحملون السلاح مع السلطة ضد الحراك. لهذا فإن الحراك ثابت على مبدأ النضال السلمي.
> لكن هناك من يجاهر باستخدام القوة مثل طاهر طماح الذي أعلن قبل أكثر من عام تشكيل "كتائب سرو حمير"، ويقول في تصريحات صحفية إنه يجند مسلحين لهذه الكتائب وينسب نفسه وكتائبه للحراك.
- أسمع بهذا. لكن الحكم على الأمور يتم انطلاقاً من النهج الرسمي لمكونات الحراك.
> هذه الكتائب تقوم بعمليات وتتبنى المسؤولية عنها. هل تعرف هذا الشخص؟
- لا. أعرف آخرين من أسرته. وعلى أية حال الشباب دائماً يميلون إلى المغامرة، ومع التجارب يكتسبون خبرة ويعودون إلى الصواب. وكما تلاحظ فإن كثيرين من اليمنيين، من الشمال ومن الجنوب، من السياسيين ومن الشباب، ينطلقون في نظرتهم إلى الأمور من القدرة على الفعل وليس من شرعية هذا الفعل من عدمها. إذا انطلقوا من شرعية هذا الفعل من عدمها فإن أحكامهم بالتأكيد ستكون صحيحة. أما إذا انطلقوا من مبدأ القدرة على الفعل بصرف النظر عن شرعية هذا الفعل من عدمها، فإن أحكامهم ستكون خاطئة.
> أفهم من كلامك إمكانية ظهور تعبيرات على هامش الحراك، وليس في جوهره، تمارس العنف. وهذه التعبيرات قد تشكل مدخلاً للسلطة لممارسة المزيد من العنف ضد الحراك؟
- هذا صحيح، وهو يعتمد على قدرة الحراك على إقناع (هؤلاء) بالنضال السلمي باعتباره الأسلوب الصائب.
> وأنت تنصح قيادات الحراك بإقناع هؤلاء؟
- بالتأكيد. وبالنسبة لطاهر طماح فإنه ينبغي الجلوس معه ومناقشته، وأنا واثق من أنه سيقتنع.
> ربما، ولكن الرجل، كما يظهر من تصريحاته، على قناعة راسخة باللجوء إلى القوة. وهو يكرَّر بأن النضال السلمي غير مجدٍ في مواجهة السلطة، التي تمارس العنف ضد الاحتجاجات السلمية، ويضيف قائلاً بأن الاحتجاجات السلمية لم تثمر شيئاً على مدى عامين. أقصد أنه متشبع بفكرته في المقاومة المسلحة.
- إذا جلس مع نفسه وقارن بين الحراك في الماضي والآن، وقارن بين موقف السلطة في الماضي وموقفها الآن، لرأى أن الأمور تتقدم لصالح الحراك.
> لننتقل إلى مطلب فك الارتباط. في السياسة وفي القانون الدولي والعلاقات الدولية لا يوجد شيء اسمه "فك ارتباط"، وتعرف أن فك الارتباط هو مفهوم عسكري اشتهر بعد حرب أكتوبر 1973، عندما اعتمد هنرى كيسنجر مبدأ الخطوة خطوة، بادئاً بفك الارتباط بين القوات المصرية والإسرائيلية على جانبي قناة السويس. من أين جاء هذا الشعار؟
- أعلن الأخ علي سالم البيض في 21 مايو 1994 فك الارتباط بين الشمال والجنوب، وهو ما يزال متمسكاً به. ولكن مهما يكن فإن الشيء الذي لا تستطيع السلطة ولا نستطيع نحن الهروب منه هو: الشرعية الدولية أو الشرعية الشعبية. ما عدا هذا هو رغبات سياسية لسياسيين جنوبيين ولسياسيين في الشمال (في السلطة)، وأقصد إما أن تقبل صنعاء بالحوار على أساس قراري مجلس الأمن الدولي باعتبارهما قرارين للشرعية الدولية، وإما أن تقبل باستفتاء الشعب في الجنوب على قبول هذا الوضع أو رفضه. هذا هو الحل الذي لا تستطيع السلطة ولا يستطيع الجنوبيون أن يأتوا بغيره إلا في حالة واحدة، هي انهيار الدولة وصوملة اليمن.
> وهذا ما لا يتمناه أحد.
- نعم، ولكن مهما راوح الناس ومهما تشنجوا فإنهم سيعودون إلى ما قلته أعلاه لأنها لا توجد شرعية لأي من الطرفين إلا بذلك.
> أين تضع "فك الارتباط"، إذْ لا محل له في الشرعية الدولية، لأن قرارات مجلس الأمن تطالب طرفي الأزمة والحرب حينها (1994) بوقف العمليات الحربية والعودة إلى الحوار على أساس الدولة اليمنية الواحدة.
- قرارا مجلس الأمن الدولي يقولان بالحوار بين الشمال والجنوب. فلا وحدة بالقوة ولا انفصال بالقوة. أما فك الارتباط فأنا شخصياً ليس لدي وضوح حول هذا المفهوم. أفهم أن "فك الارتباط" أو "الانفصال" هو اعتراف ضمني بوجود "وحدة"، وعندي أن الوحدة ليست موجودة أصلاً.
> في الشرعية الدولية هناك قراران يتعلقان بأزمة داخل دولة واحدة، والقراران يدعوان إلى وقف الحرب والعودة إلى التفاوض، والحكومة اليمنية وجهت يوم 7 يوليو مذكرة إلى مجلس الأمن تتضمن التزامات الطرف المنتصر في الحرب، وأبرزها معالجة آثار الحرب وتطبيق وثيقة العهد والاتفاق. هذه هي الشرعية الدولية في نظري.
- الشرعية الدولية هي المشار إليها أعلاه، وهناك الشرعية الشعبية. مثلاً تستطيع السلطة أن تقول صحيح هناك قرارات للشرعية الدولية وهناك التزامات، لكن الشعب في الجنوب مقتنع بالوضع القائم. السلطة تستطيع أن تقول هذا الكلام. ونحن نستطيع أن نقول الاستفتاء هو الحكم.


> لكنها في هذه الحالة قد تتورط في مسار غير مضمون.
- (باسماً) من حقها أن تقول هذا، لكن من حقنا أن نقول نحن إذن لنعمل استفتاء.
> لنناقش فكرة الاستفتاء، تعرف أن أي دولة تشهد هجرة داخلية، بصرف النظر عن القول بأنها مخططة أو غير مخططة. بعد 20 سنة من قيام دولة الوحدة، هناك جنوبيون انتقلوا إلى الشمال، وهناك شماليون أكثر انتقلوا إلى الجنوب لأسباب اقتصادية، علاوة على الألوية العسكرية والقوى الأمنية، والاشتباه بوجود خطة للسلطة لتغيير خارطة السكان، وبافتراض أن السلطة تعاطت حبوباً مهدئة وقررت في لحظة تسامٍ قبول فكرة الاستفتاء. من سيُدعى في الجنوب إلى الاستفتاء؟
- هذه وظيفة الحوار، لأن الأمر يتطلب حواراً، وهذه من مفرداته.
> أقصد أن المسألة شائكة وشديدة التعقيد والحساسية.
- كل قضية لها حل. وعندما تتطور الأمور إلى هذه النقطة يمكن إيجاد حل لها عبر الحوار. ومع ذلك فإن تحكيم العقل قد يحول دون الوصول إلى هذه النقطة. إذا حكم الإخوة في الشمال، سلطة ومعارضة، عقولهم وتساءلوا: هل الكراهية تزداد أم تقل بين سكان الشمال وسكان الجنوب؟ ولو فكروا بهذا التفكير لما تركوا الأمور تستفحل، ولسارعوا إلى حل القضية. المسألة منطقية، عندما تتابع مشكلة أو قضية عليك أن تقرأ تفاعلاتها، هل تزداد تعقيداً أو تتراجع.
> من الواضح أنها تزداد تعقيداً سنة تلو سنة، ويوماً تلو يوم، كما هو حاصل مؤخراً.
- طيب، لماذا تسكت عليها؟
> هذه فعلاً مشكلة السلطة في التعامل مع القضية الجنوبية، لكن المعارضة بدت...
- (مقاطعاً) رابخة.
> المعارضة، كما أرى، تقترب من القضية الجنوبية، بل وصارت تتبناها وتطالب السلطة بالاعتراف بها، رغم أنها إلى ما قبل عام ونصف كانت هي ذاتها تتجنب عنوان "القضية الجنوبية" في بياناتها.
- تحسن موقفها قليلاً، ولكن عليها واجباً أكبر.
> في ما يخص "فك الارتباط"، هل تعتقد أن هذا العنوان يمكن أن يوحد الجنوبيين حوله؟
- الشعب في الجنوب أكثر التفافاً حول مطلب "استعادة دولة الجنوب"، عامة الناس يريدون هذا، لكن السياسيين عليهم أن يتعاملوا بوعي مع هذه القضية. إذا صنعاء ترفض الاعتراف بالقضية الجنوبية، وبالتالي ترفض أي معالجة لها، ماذا تنتظر من السياسيين الجنوبيين أن يقولوا أمام الشعب الجنوبي؟ أنا شخصياً ليس مفهوماً عندي بالضبط مسألة "فك ارتباط" أو "انفصال"، لأن هذين المطلبين ينطويان على اعتراف ضمني بوحدة قائمة، وأنا لا أرى أن القائم هو وحدة.
> الآن، ولكنك إلى وقت قريب كنت تقول إن الوحدة قائمة ولكن مسارها أخذ اتجاهاً آخر بالحرب.
- هذا كان سابقاً قبل نهب الأرض والثروة، لكن بعد أن تم نهب الأرض والثروة ماذا بقي للجنوبيين. إذا لم تُعد الأراضي والثروات المنهوبة فما الفائدة من أي حل. فلابد أن يعود كل ما نهب منذ ما بعد حرب 1994 وحتى الآن، أراض زراعية وعقارات وثروات وغيرها.
> هناك حديث يجري عن عقد سياسي جديد يضم مختلف الأطراف اليمنية بما فيها الجنوبيون..
- أي حل بدون ضمانات دولية ليس مضموناً، لأنها وجدت اتفاقيات، مثل اتفاق الوحدة ودستور دولة الوحدة، وهو اتفاق يمني داخلي تم الانقلاب عليه بالحرب، ومن دلائل ذلك العملة الوطنية الآن هي الريال الشمالي، بينما اتفاقية الوحدة تقول بأن تكون العملة هي الدرهم كبديل للدينار الجنوبي والريال الشمالي. الإدارة الآن شمالية، وكذلك القضاء والمناهج التعليمية، تم الانقلاب على هذا كله. ثم جاءت وثيقة العهد والاتفاق التي تم التوقيع عليها في الأردن، وانقلبوا عليها بالحرب، وأخيراً جاءت اتفاقية الدوحة (بين الحكومة والحوثيين)، وتم الانقلاب عليها أيضاً. لا يوجد ضمان إلا بإشراف دولي قادر على الفعل.
> لنتحدث عن البيئة الإقليمية، ألا تنتابك مخاوف من أن يتحول "الحراك الجنوبي" إلى ورقة إقليمية في ظل الاستقطاب الإقليمي الراهن؟
- السلطة من يملك القرار السياسي في اليمن. ومن يملك القرار بيده أن يمنع أن يكون بلده ساحة صراع إقليمي ودولي، ويمكن أن يقدمه على طبق من ذهب لهذا الصراع، تماماً كما فعل صدام حسين في العراق، ومثلما فعلت طالبان في أفغانستان.
> ألديك مخاوف من أن يتم توظيف الحراك من قبل أطراف إقليمية أو أطراف لها حسابات في الإقليم؟
- لا. الحراك الجنوبي متنبه للعبة الخارجية. وأنا واثق أن الحراك لن يكون بيد طرف خارجي. ومع ذلك فإن العامل الحاسم هو موقف السلطة التي بإمكانها تجنيب البلد ذلك. الرئيس. للأسف، قال أمس في مقابلة مع قناة "إم.بي.سي" أنا ضمنت دول الخليج والمجتمع الدولي في ما يخص قضية الجنوب. ماذا يعني هذا؟ ألا يعني تقديم البلد للصراعات الدولية؟
> يعني أنه قام بجهد دبلوماسي متواصل لضمان وقوف هذه الأطراف في صف الوحدة.
- تجاه من؟
> تجاه من يصفهم بأنهم حفنة من المتآمرين والانفصاليين، وأصحاب المصالح التي فقدوها في حرب 1994.
- (ضاحكاً) مئات الآلاف الذين يخرجون في الشارع، ما هي المصالح التي فقدوها؟
> تعلم أنه إلى وقت قريب كان هناك شكوك لدى السلطة ودوائر أخرى من وجود دعم من بعض دول الجوار للحراك، خصوصاً وأن بعض هذه الدول كان له موقف داعم لعلي سالم البيض في حرب 1994 عندما أعلن الانفصال، والآن فإن هناك استرخاء لدى الرئيس بعد أن تأكد بأن هذه الدول تدعم الوحدة.
- وبعد أن ضمن هذا ما الذي تغير في الساحة الجنوبية؟ الحراك مستمر والمعاناة مستمرة، وفقط يوجد تعتيم إعلامي.
> ما أقصده أن الرئيس أمَّن الفاعل الإقليمي والفاعل الدولي، وصار بوسعه الآن أن يتعامل من موقع أفضل مع القضية الجنوبية خلاف ما كان الحال عليه قبل عدة أشهر.
- من الخطأ أن يصدر هذا الكلام من شخص مسؤول عن البلد كله، أن يقول أنا أمنت الخارج وأما الداخل فلا يعنيني أمره، هذا كلام ليس ملائماً أن يصدر من رئيس دولة. ولو افترضنا أنه أمَّن فعلاً هذه الأطراف فهل حُلت القضية؟
> الرئيس يقر بوجود غضب لدى فئات في الجنوب، ويقول بوجود مظالم وقعت على البعض في الجنوب، لكنه يؤكد أن المساس بالوحدة اليمنية خط أحمر، وأن الأغلبية الساحقة من الجنوبيين مع الوحدة، وأنه ليس من حق أحد الادعاء بأنه يمثل الجنوب، وأنه ضمن مواقف دول الخليج والغرب لصالح الوحدة ضد حفنة من المتآمرين على شق وحدة البلد.
- الوحدة لا تعني نهب الأرض وحرمان الناس من ثرواتهم. وما دام الظلم والقهر موجودين فإنه حتى إذا ضمن الخارج فإن المشكلة ستظل قائمة، والمؤكد أن القضية ستتعقد أكثر إذا لم تُحل الآن.
> في تقديرك أن هذا الموقف الإقليمي المؤمن أمر واقع فعلاً؟
- الرئيس من يقول هذا.
> في حال أنه قائم فعلاً هل ترجح أن يستمر؟
- الحراك يراهن على ذاته وعلى الشعب. وصدقني أن المواطنين (في الجنوب) يبيعون أغنامهم كي يتمكنوا من المشاركة في فعاليات الحراك، ومن ليس لديه أغنام أو مواشي يبيع كيس قمح أو أي شيء بحوزته بأقل من سعره لكي يشارك في الحراك. الأجهزة الأمنية تدرك هذا، ويفترض أن توصل معلومات دقيقة للرئيس.
> بصرف النظر عن هذا، وأنا فعلاً اطلعت على حالات من هذا القبيل، ولكن أي حركة احتجاجات أو حتى حركة تحرر أو انفصال ليس بوسعها إلا أن تراهن على تأييد خارجي، إقليمي أو دولي.
- كمواقف سياسية.
> كمواقف سياسية في الوقت الراهن. وسؤالي هو عن تقديرك أنت كشخصية، لديها اتصالات وعلاقات في الداخل والخارج، لدقة ما يقوله الرئيس علي عبدالله صالح بشأن الموقف الإقليمي؟
- لا أعرف بالضبط مدى دقته، صحيح أو غير صحيح، لكن من المنطقي أن دول الجوار تريد استقراراً في اليمن، لأن عدم الاستقرار ضار بأمنها القومي. لكنها تدرك أن الاستقرار رهن بالرضا الشعبي، ولذلك لا أعتقد أنها ستساعد (الرئيس) علي عبدالله صالح على استمرار عدم الرضا الشعبي وقهر الناس.
> لعلك تتفق معي بأن هناك قلقاً لدى البعض في السلطة حيال الدور البريطاني في اليمن في ما يخص الجنوب، خلاف الأمر حيال واشنطن وعواصم غربية أخرى، وهذا القلق لا يتم التعبير عنه رسمياً، ولكن يدور في بعض المجالس، وأحياناً يعبر عنه في منابر إعلامية محسوبة على السلطة أو أطراف فيها، كيف تقرأ هذا القلق؟
- الأمريكان والأوروبيون وغيرهم لديهم مصالح في اليمن، وهذه المصالح يتم ضمانها بوجود استقرار، والاستقرار مرهون برضا الناس. ولهذا لا أعتقد أنهم يقرون ما يُمارس من تجاهل لمصالح الناس أو قهر فئات منهم لأن ذلك يؤدي إلى عدم الاستقرار. والذي أعتقده أن دول الجوار والدول الكبرى مجمعون على أن الوضع في اليمن غير طبيعي، وأن النظام غير صالح، ولابد من وجود نظام بديل صالح للبلد. ومع هذا فإن السلطة وعبر قنوات استخبارية مع دول الجوار والغرب قد تصدق ذلك، وتصَّور أن رحيل الرئيس علي عبدالله صالح سيؤدي إلى صوملة اليمن. والغرب يفضل الوضع الموجود على الصوملة.
> وحتى اليمنيون يفضلون هذا.
- صحيح. لكن إذا صح ما تروجه السلطة للخارج من أن الصوملة هي البديل، فإننا نبدو وكأننا في طائرة مختطفة إذا لم يقبل الخارج شروط الخاطفين فإنهم سيفجرونها.
> ورغم هذا فإن لبريطانيا خصوصية هنا، لأن لها إرثاً في الجنوب باعتبارها الدولة التي احتلته قرابة قرن وثلث، فما الذي يمنع من أن يكون لها مقاربة متمايزة عن واشنطن تجاه الجنوب؟
- هذا كان محتملاً في رئاسة بوش الابن، لكن في عهد أوباما والديمقراطيين فأنا أستبعد ذلك، لأن تجربة الأمريكان في العراق وأفغانستان، وحتى في فلسطين، أكدت لهم أنهم في حاجة إلى مشورة بريطانيا، ويمكن أن أقول بتحفظ بأن الدور القيادي في الشرق الأوسط كأنه صار لبريطانيا. وعندما تشعر واشنطن أنها محتاجة للدور الأوروبي في المنطقة، فإنها لن تثق بحليف أكثر من بريطانيا.
> ومع ذلك ألا تلمس قلقاً هنا من بريطانيا؟
- هذا القلق يعود إلى كون بريطانيا دولة احتلت الجنوب. وما أستطيع تأكيده هو أن علاقات أطراف في السلطة وأطراف في المعارضة ببريطانيا أوثق من علاقة جنوبيين بها. ومن البديهي أنه عندما تسلم سلطة قرارها لأطراف دولية أو إقليمية فإنها ستعرض نفسها لحركة أطراف أخرى نقيضة.
> عند هذه النقطة كيف يمكن قراءة تصريحات علي سالم البيض لجريدة "الأخبار"، فهو أشاد بلغة ودية مؤثرة بإيران وحزب الله وقطر. هل يمكن أن تتعامل هذه القوى مع البيض في مقابل حركة الرئيس علي عبدالله صالح باتجاه بعض دول الجوار والغرب؟
- الجنوبيون يجمعهم اتجاه واحد حتى وإن أبدى بعض الإخوة موقفاً مختلفاً، وهو اتجاه القضية الجنوبية. وفي ما يخص الوضع الإقليمي فإن هناك متغيرات طرأت عليه بعد مجيء أوباما. في رئاسة بوش الابن كان هناك تقسيم لدول المنطقة يقوم على أساس دول اعتدال، وهي أقرب إلى واشنطن، ودول ممانعة أقرب إلى الاتحاد الأوروبي. جاء أوباما وهو غير مشبع بفكرة زعامة أميركا للعالم التي كانت عند بوش وفريقه، واختلف الأمر.
> أوباما يريد أيضاً زعامة العالم ولكن بأسلوب ناعم وعبر مجلس إدارة الرئاسة فيه لواشنطن.
- نعم، ولكن بالشراكة مع أوروبا، واحترام مصالحها. من يدير العالم الآن هو أميركا وأوروبا، وبقية العالم في الهامش. وبعد مجيء الديمقراطيين إلى البيت الأبيض بدأ الأمر ينعكس على دول المنطقة، وبدأت دول الممانعة ودول الاعتدال تتقارب طبقاً لمقاربة المركز (الأوروبي والأميركي).
> وكيف برأيك سينعكس هذا التغيير على الوضع في اليمن، وبخاصة في ما يخص الجنوب؟
- النظام في اليمن يتعاطى مع هذه الأمور بسطحية، يحاول اللعب على التناقضات، واللعب هنا خطر جداً وفوق طاقة أي نظام عربي. والتناقضات بين القوى الكبرى لا ترحم، لاحظ ما حدث لجمال عبدالناصر، وكذلك ما حصل لصدام حسين الذي انحاز إلى فرنسا وأوروبا واستبدل الدولار باليورو. اللعب على تناقضات الدول الكبرى هو انتحار. أصحابنا هنا يلعبون هذه اللعبة، وسوف يأخذون البلد إلى الهاوية.
> لنناقش الآن الحزب الاشتراكي ومؤتمره العام. عندما عرض عليك الرئيس بعد الوحدة ترك الاشتراكي والانضمام إلى المؤتمر، أجبته بأنه إذا بقي في الاشتراكي شخص واحد فقط فسيكون أنت. أما زال هذا الموقف قائماً الآن؟
- شخصياً، وأظن أن هناك كثيرين مثلي، لا يوجد ما يبرر لنا الانتقال إلى حزب آخر غير الحراك. وكل ما نتمناه هو أن يستعيد الحزب الاشتراكي مكانته ويتبنى القضية الجنوبية بوضوح وينضم بالكامل إلى الحراك. الاشتراكي هو المسؤول تاريخياً عن القضية الجنوبية، ويفترض به أن يتميز عن الأحزاب الأخرى في موقفه تجاه هذه القضية بالذات. في دورة اللجنة المركزية الأخيرة التي عقدت في عدن كنا نتمنى أن يخرج الحزب بموقف واضح يختلف عن مواقفه السابقة، لكن للأسف لم يتم ذلك، فحصل انفعال لدى بعض أعضاء اللجنة المركزية، وفي مقدمتهم الأخ العزيز عبدالرحمن الوالي، وأعلنوا تشكيل حزب الأحرار الجنوبيين. والحق أن أعضاء اللجنة المركزية من الشمال، خلال تلك الدورة، قالوا بوضوح لزملائهم الجنوبيين وللأمين العام إنهم مع أي موقف يرونه بخصوص الجنوب، لكن الإخوان الجنوبيين، وأنا متأكد أنهم جميعاً مع الحراك، خشوا أن يعلنوا موقفهم حفاظاً على أواصر علاقتهم ببعض إخوانهم الشماليين.
> رغم أن هؤلاء تحدثوا بوضوح معهم بأنهم مع الرأي الذي يأخذونه؟
- نعم، قالوا لهم أي شيء ترونه سنكون معكم. في السياسة لا توجد عواطف. وكان يفترض بأعضاء اللجنة المركزية الجنوبيين أن يتخذوا موقفاً واضحاً، أنا لم أحضر سوى جلسة مسائية؛ فقد غادرت بسبب عدم قدرتي على تحمل الدخان، لكنني التقيت بأغلب أعضاء اللجنة المركزية الجنوبيين في بيتي في عدن، واتفقنا على ورقة نقدمها للجنة المركزية، تتضمن موقفاً مشرفاً للحزب، يتدارك هفوات الماضي، وتم التوقيع عليها من الموجودين.
> كم عدد الجنوبيين في اللجنة المركزية؟ وأسألك لغرض التمييز إجرائياً فقط.
- لم يحضر جميعهم، وبعضهم كان مطارداً من الأمن أو في السجن.
> أقصد في القوام الكامل وليس قوام دورة عدن.
- تقريباً نصف العدد.
> أليست الأغلبية شمالية، علماً أنني واثق بأن هناك شماليين أكثر تأييداً للحراك من جنوبيين؟
- في اللجنة المركزية قد تكون هناك زيادة طفيفة للأعضاء من الشمال، لكن الأكثرية في المكتب السياسي والأمانة العامة هي لأعضاء من الشمال. ونحن في الحزب بالتأكيد لا ننظر إلى الأمر من هذه الزاوية. وعلى أية حال فإن الموقعين على الورقة ذهبوا إلى اللجنة المركزية وطلبوا إدراجها في جدول الأعمال، لكن الأمين العام رفض الطلب.
> لماذا برأيك رغم حساسية اللحظة التي يمر بها الحزب؟
- لا أدري. وفي نهاية المطاف تمت الموافقة على تلاوة الورقة فقط. وعندما تم ذلك لم يعترض أحد على مضامينها كأنهم موافقون عليها، لكن تم تجاهل الورقة تماماً في البيان الختامي وقرارات الدورة، وهذا ولَّد رد فعل لدى الإخوان الذين خرجوا وعقدوا اجتماعاً. زارني بعضهم وقلت لهم لا داعي لأي ردود فعل الآن، يمكن أن نصدر بياناً نوضح فيه موقفنا.
> يمكن عزو موقفك هذا إلى خبرتك في التعاطي مع أزمات كهذه، فضلاً على أن وجدانك تشكل داخل الحزب، لكن ما حدث أن آخرين أعلنوا أنهم سيشكلون حزباً اشتراكياً (أو حزباً آخر) جنوبياً، ويبدو لي أن هذا المسار توقف.
- عندما جاؤوا إليَّ نصحتهم بالتخلي عن الفكرة، ولكنهم أصروا، فقلت لهم رد الفعل هذا خطأ، وستدركون لاحقاً ذلك.
> هم لا يزالون داخل الحزب الاشتراكي؟
- نعم. والعمل الأجدى كان أن تبادر منظمات الحزب في الجنوب إلى التنسيق مع بقية منظمات اللقاء المشترك، ويشكلون مجلس تنسيق أو لقاء مشتركاً جنوبياً، يتولى اتخاذ المواقف والقرارات وفقاً لاحتياجات ومطالب السكان الذين يمثلونهم.
> تعلم أن المركز (في صنعاء) هو المهيمن على القرار الحزبي خصوصاً في القضايا الكبرى مثل القضية الجنوبية.
- لذلك فإن هؤلاء الموجودين في المركز يدفعون الناس إلى مغادرة الأحزاب.
> بعد دورة عدن هل التقيت الدكتور ياسين سعيد نعمان؟
- لا. فظرفي الصحي يقيد حركتي، وهو كان مشغولاً، وربما غير راغب في ذلك.
> موقف الدكتور ياسين واضح في ما يخص القضية الجنوبية، إذ إنه يشدَّد على حل هذه القضية قبل أي أمر آخر. وفي أغسطس 2008 عطَّل الاتفاق بين المشترك والسلطة على الانتخابات، لأنه ضد إجرائها قبل معالجة القضية الجنوبية.
- من دون شك يوجد قرب.
> وإذن، أتجري اتصالات بينكم لتدارك التداعيات سواء في ما يخص الحزب الاشتراكي أو في ما يخص الانقسامات والتشظيات التي من الممكن أن تحدث داخل الحراك؟
- هناك شكوك موجودة لدى كثيرين من الإخوان لا أجد تفسيراً لها، وأيضاً هناك الكبرياء الموجودة لدينا في اليمن، والذاتية.
> الكبرياء أسوأ مستشار، كما يقول المثل.
- صحيح. قد أكون مخطئاً وليس عيباً أن أتراجع عن خطئي وأقول لك رأيك هو الصائب.
> هل جاء أحد من رفاقك في قيادة الحزب، بخاصة من أولئك الذين كان لهم موقف حاد منك، وقال لك كان تقديرنا خطأ ولم نكن لنتصور أن تذهب الأمور بعيداً؟
- لم يحصل هذا ولا أريده. الماضي ماض، وما أريده هو أن نعد للمستقبل. الوحيد الذي جاءني وقال لي هذا هو الأخ يحيى الشامي، وسمعت أن آخرين مثل يحيى أبو أصبع (الأمين العام المساعد) يقولون كلاماً مماثلاً.
> أردت فقط هنا أن يقرأ القراء هنا العلاقات الإنسانية داخل قيادة الحزب الاشتراكي.
- أنا لا أريد هذا لأن المسائل تتحول إلى مسائل شخصية.
> تجري تحضيرات لعقد المؤتمر العام السادس للحزب الاشتراكي، أين موقعك من هذه التحضيرات؟
- ليس من المعقول عقد المؤتمر في هذه الظروف، وهناك أسباب عديدة أولها أن جزءاً من كوادر الحزب الفاعلة لا تستطيع المشاركة، وهناك البعض في السجون، والبعض مطارد في الجبال، وثانياً أن الوضع السياسي في البلد لا يتيح عقد المؤتمر، وإذا انعقد فإنه سيكون باهتاً وقد يتولد عنه أزمة أخطر على الحزب، وثالثاً أن الناس منشغلون بقضايا كبيرة وخطيرة، وقد يؤدي هذا إلى انقسام داخل الحزب. ليس عيباً أن تؤجل اللجنة المركزية موعد انعقاد المؤتمر، فالنظام الداخلي يسمح لها بذلك إذا وجدت ظروف استثنائية.
> ولماذا لا يتم ذلك؟
- البعض يستعجل انعقاد المؤتمر لكي يغادر موقعه القيادي من بوابة المؤتمر العام. وهناك من وصل إلى قناعة مؤداها أن الحزب يقترب من النهاية ولا يريد أن يتحمل مسؤولية تاريخية عن ذلك كي لا يقال إن الحزب انتهى على يده. وهذا الهاجس أمره هين، يمكن للجنة المركزية أن تجتمع ويقدم المكتب السياسي استقالته لها، لأنه منتخب منها وليس من المؤتمر العام، واللجنة المركزية تشكِّل مكتباً سياسياً جديداً وأميناً عاماً جديداً.
> لكنك تتذكر أن الدكتور ياسين كان قبل عامين قد طلب إعفاءه من موقع الأمين العام، مقترحاً تدوير هذا الموقع خلال دورة اللجنة المركزية، فرفضت اللجنة المركزية، وأظنك كنت في لندن للعلاج.
- كنت موجوداً هنا، وكنت أول من رفض الاستقالة. رغم أن البعض يعتقد أنني سأرحب بها نظراً للاختلاف بيننا في بعض الآراء.
> وأظن الآن أن الغالبية في المكتب السياسي تتجه لصرف النظر عن الموعد المفترض لعقد المؤتمر في نوفمبر المقبل؟
- أنا شخصياً أعتقد أن عقد المؤتمر الآن هو سلوك انتحاري للأسباب التي ذكرتها، وأضيف عليها سبباً آخر هو الموقف من قيادات الخارج، هل سينتخبونهم؟
> تماماً كما حصل في المؤتمرين السابقين؟
- نعم، هل سينتخبونهم أم سيشطبونهم. فإذا انتخبوهم كيف، وإذا استبعدوهم كيف؟
> علي سالم البيض لم يعد يقدم نفسه كقيادي في الحزب بل كشخصية "وطنية جنوبية".
- ومن هنا فإنه قد يرفض إعادة انتخابه وتكون النتيجة نفسها.
> أفهم من كلامك أنك متفائل بأن يكون للحزب الاشتراكي كلمة في مستقبل الجنوب أو اليمن عموماً، كما كان في الماضي؟
- يستطيع الحزب أن يستعيد فاعليته ويتلافى الأمور إذا ارتقى الإخوان إلى مستوى المسؤولية في التعاطي مع الأحداث الجارية ومع القضية الجنوبية. ما الذي يخيفهم، حتى وإن كان لهم رأي متفرد (عن المشترك) في ما يتعلق بالقضية الجنوبية، فهذه القضية قضية وجود بالنسبة له، لأن الإصلاح شريك في الحرب على الجنوب.
> من الواضح أنك متمسك بانتمائك للاشتراكي، وما تزال تراهن أن يتعافى الحزب وتعود إليه الحيوية إذا تدارك أخطاءه السابقة، ألا يؤثر هذا سلباً على موقعك في الحراك، خصوصاً مع تعالي أصوات في الجنوب تطالب بإقصاء الاشتراكي؟
- قد يسبب إشكالاً عند بعض الأشخاص، لكنه إشكال مؤقت، وسيكتشفون (لاحقاً) أن موقفي هو الصحيح. هناك أمور يصعب الحديث عنها الآن رغم أنها قد تكون مقنعة لأصحاب الرأي القائل بالخروج من الحزب.
> كيف؟
- هناك أشياء يمكن أن تقنع المعارضين للبقاء في الحزب بأن البقاء هو الأسلم. ولكن هذا الإقناع يمكن أن يؤثر بشكل سلبي على آخرين لأنهم غير قادرين على استيعاب تطورات قادمة.
> تقصد يؤثر سلباً على الموجودين من أبناء المحافظات الجنوبية في الحزب؟
- نعم. الحزب الاشتراكي حزب معترف به من قبل السلطة والخارج، وحامل صيغة الجنوب، وقاد دولة الجنوب، ووجوده مع القضية الجنوبية هو بالتأكيد لصالحها، وإبعاده عنها يشكل خصماً منها. بعض الإخوة يرون أن الاشتراكي هو المشكلة ويجب التخلص منه بسبب عقدة أن يعود الاشتراكي ليحكم الجنوب مجدداً بعد كل هذه التضحيات، وهذا غير ممكن في الواقع، فالوضع تغير والقيم تغيرت. أنا لم أتمكن من الجلوس مع هؤلاء الذين هم ضد بقاء الناس في الحزب، لمناقشة الموضوع معهم من زاوية مصلحة القضية.
> تشدِّد دوماً على أن مشكلة الجنوبيين ليست في السلطة ولكن في "دولة الوحدة" ذاتها التي تصفها بـ"دولة الشمال".
- نعم، هناك بديهيات تم تجاهلها. هل يعقل أن يظل الجنوب مؤمماً، والملكية فيه للدولة في حين أن نمط الملكية مختلف في الشمال؟ كان المفروض إلغاء قوانين التأميم في الجنوب وإعادة تمليكها لأهلها. كما أن الاقتصاد في الجنوب كان عاماً في حين أنه في الشمال خاص، وغير ذلك من البديهيات التي تم تجاهلها.
> قبل الوحدة وجد قطاع عام في الشمال فالنظام كان مختلطاً.
- حتى العام كان خاصاً في الشمال (ضحك). كيف يمكن أن يكون وضع الوحدة طبيعياً في ظل وجود هذا؟
> تمت خصخصة كثير من المؤسسات العامة في الجنوب.
- متى؟
> بعد حرب 1994.
- ولصالح من؟
> لصالح الاقتصاد الوطني.
- (ضاحكاً) لصالح المتنفذين. التركيبة الاجتماعية كانت مختلفة في الجنوب، بسبب نمط الملكية فلم يكن هناك أغنياء كما هو الوضع في الشمال، وهذا لا يسمح بوحدة بينهما أصلاً.
> صحيح. ودعنا لا ننسى أن هناك من الجنوبيين من صار ثرياً بعد 1994. وعلى أية حال فإنه إذا أخذنا معدلات الفقر على مستوى المحافظات في اليمن، فإن المحافظات الأفقر هي في غالبها شمالية.
- ممكن هذا. والفرق أن المظلومين في الشمال مظلومون من دولتهم، بينما الظلم في الجنوب يتم باسم الوحدة. وطالما والسبب مختلف، فإنه من البديهي أن يكون الحل مختلفاً.
> أنا أفهم ما تقصده عندما تقول مثلاً إن الشمال استفاد من الخصخصة والجنوب لم يستفد، لكن ما يؤخذ على خطاب البعض هو ذلك التعميم عن الشماليين والجنوبيين، بعد الحرب كثيرون من أبناء الشمال استفادوا ولكن ليسوا جميعهم، وهناك من الجنوبيين أيضاً من استفاد من الحرب، بل ومنهم من مارس الفيد واستولى على ممتلكات آخرين، والآن هم من كبار الملاك.
- لا أتحدث الآن عن أوضاع ما بعد الحرب، وإنما عما قبلها. هناك أشياء غير مكتوبة ولكنها بديهيات، كان مفروضاً إلغاء قوانين التأميم وعودة الملكيات لأهلها، وتمليك الجنوبيين لأرضهم وثروتهم، وأن يعاد تصميم النظام الاقتصادي وتحويله من العام إلى الخاص لصالح الجنوبيين أنفسهم، فالنظام السابق في الجنوب عندما اعتمد الاقتصاد العام وأمم أملاكهم وثروتهم على أساس أن تكون الدولة مسؤولة عن كامل شؤون حياتهم، وبعد إعلان الوحدة اختلف الأمر رغم أنها أعلنت الوحدة على أساس الأخذ بالأفضل. أنا كنت رئيس لجنة... في المرحلة الانتقالية بعد الوحدة، وجدت أنه لا يوجد في الشمال ما هو أفضل إلا الموقف من الملكية الخاصة والدين، ولا يوجد في الجنوب ما هو أسوأ غير هذين الموقفين فقط. هذا ربما كان بداية المشكلة، لأن الإخوة في الشمال رأوا كل شيء كان أفضل في الجنوب باستثناء الموقف من الدين والموقف من الملكية الخاصة، ولذلك ماطلوا في قيام دولة الوحدة حتى قاموا بالحرب.
> ماذا تريد أن تستخلص من هذا؟
- أريد أن أقول إن الوحدة ليست موجودة. وهناك أيضاً التباين الثقافي، وكما ذكرت في الجزء الأول فإن الجنوب لا يستطيع العيش إلا في ظل دولة، وشمال الشمال لا يستطيع العيش في ظل دولة.
> عند هذه النقطة، لعلك قرأت لهارولد انجرامز مستشار الدولة القعيطية والحاكم السياسي لعدن، وصاحب الاتصالات المهمة بالإمام يحيى حميد الدين، وهو أيضاً مستشرق مهم، ففي كتاب له صدر عام 1963 أبدى تذمرا شديداً من بعض المناطق في الجنوب لأن سكانها يمارسون التقطع ولا يميلون إلى الاستقرار والعمل خلاف المناطق التي زارها في الشمال، وبخاصة مناطق تهامة وإب وتعز، حيث ينعم الناس بالأمن والاستقرار ويميلون إلى العمل.
- هو كان في حضرموت؟
> وعمل أيضاً في عدن، وكان له اتصالات بالإمام يحيى، وأظن أيضاً مع الإمام أحمد. وحتى حضرموت نفسها كان فيها قبائل لا تقبل الدولة.
- المدنية رسختها بريطانيا في عدن وحضرموت، وجاءت الثورة وعممتها على الريف. لم نعممها بخطبة جامع، بل بفرض القانون. صحيح أن هناك قسوة ولكن في سبيل تغيير اجتماعي، بينما الثورة في الشمال على عكس ذلك تماماً.
> ما أريد الإشارة إليه أن انجرامز قدم صورة مغايرة للصورة النمطية السائدة عن الشمال في الجنوب، ولدى الكثير من النخب في الشمال والجنوب. والمعنى هنا أن المسألة متصلة بالسياق السياسي والاجتماعي لأي شعب. في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي، وكنت طفلاً حينها، حمل السلاح في المدن لم يكن محبذاً بل منبوذ، والحركة التعاونية في السبعينيات كانت مزدهرة، حتى إن مواطنين كانوا يعملون طوعياً في بناء مدارس ومستوصفات، ويتبرعون بأراضيهم من أجل شق طرق تصل إلى أقاصي الأرياف. أي أن السياق السياسي والاجتماعي والثقافي هو ما يجعل الناس راغبين في أن يكونوا داخل الدولة أو خارجها.
- بدون شك. لكن هناك فرقاً بين مجتمع يستجيب، ومجتمع يقاوم.
> في عهد الحمدي استجاب المجتمع في الشمال في أغلبه.
- استجاب اليمن الأسفل.
> وحتى في مناطق قبلية حصلت استجابة، فالحركة التعاونية مثلاً كانت مزدهرة في همدان وسنحان وغيرهما. المجتمع في أغلبه استجاب باستثناء بعض المناطق في عمق مراكز القوى القبلية. والقصد هنا أن المجتمع اليمني في أغلبيته الساحقة استجاب لمشروع حاكم ينشد إقامة دولة مواطنة ودولة مدنية.
- هذا ممكن في حينه خوفاً من نظام عدن. وأذكر أنني عرفت الحمدي في حرب 1972. التقيت به في مكيراس، وكان عضواً في لجنة تمثل الشمال وأنا في لجنة تمثل الجنوب. في مكيراس خزنا (قات). عند المغرب غادر أعضاء اللجنة الشمالية للصلاة وبقي الحمدي الذي قال لنا: سلموا على الأخ سالم (ربيع علي) وقولوا له لا فائدة ترتجى من الشمال، ولا يمكن أن تصلح وحدة إلا إذا انتهت العمائم والجنابي، لكن في ظل العمائم والجنابي لا يمكن أن يستقر الوضع، ولا يمكن أن تبنى دولة، ولا يمكن للوحدة أن ترى النور.
> كيف كان وقع هذا الكلام عليكم؟
- صدقناه. شعرنا أن الرجل صادق. ولاحقاً ذهبنا وكلمنا سالمين. وسالمين ربط خطاً معه منذ ذلك الوقت.
> يعني العلاقة بينهما والتنسيق للوحدة بدأ قبل حركة 13 يونيو 1974؟
- نعم، من قبل ذلك.
> كانت هناك علاقة بينهما من الستينيات؟
- ليست معه بل مع أخيه عبدالله الحمدي.
> من كان حاضراً من الشماليين إلى جانب الحمدي؟
- لم أعد أتذكرهم، ولكن أظن أن عبدالله الراعي كان موجوداً في اللجنة الشمالية.
> ومن الجنوبيين؟
- كان معنا عبدالله الخامري وعوض مشبح، وهو حالياً عضو بمجلس الشورى، وآخرون. والمهم أن سالمين ربط خطاً مع الحمدي، وتقوت العلاقة بينهما، ولو كانت الوحدة تحققت في عهدهما لكان الوضع مختلفاً كلية. الحمدي كان متميزاً، وفي لقاء لاحق في صنعاء بين سالمين وآخرين كنت أحدهم، وبين الحمدي الذي كان قد صار رئيساً، ظهر متفتحاً ومثقفاً ومتنوراً، وكان عازماً فعلاً على بناء دولة عصرية. وللأسف فإن الحمدي وسالمين استُهشدا لأنهما كانا جادين في الوحدة، وقد ذهبا ضحية ذلك.
> أنت كنت حينها محسوباً على تيار سالمين؟
- أنا كنت من أقرب الناس إليه، وعندما وقعت أحداث يونيو 1978 كنت أدرس في موسكو، وإلا لكنت دخلت السجن أو القبر.
> وحسن باعوم أيضاً كان محسوباً على سالمين ودخل السجن؟
- نعم، كان مع سالمين.
> يعني أن العلاقة بينكما ضاربة في التاريخ؟
- (ضحك).

نقلا عن " النداء "
حوار: سامي غالبلنتحدث عن الملمح السلمي للحراك. أعرف أن لديك تحفظاً حول مسمى "مجلس قيادة الثورة السلمية"، لا أقصد المجلس في ذاته كمكون، ولكن الصفة الثورية في الاسمأنا أفضل التسمية التي طلعت تلقائياً من الشارع الجنوبي، وهي: "الحراك الجنوبي". هذه التسمية اعترفت بها السلطة والمعارضة والعالم. والحديث الآن في الإعلام، سواء الداخلي أو الخارجي، هو عن "حراك جنوبي". استبدال هذه التسمية بتسمية أخرى ليس في صالح القضية وليس في صالح الحراك، وليس مفيداً. لهذا أنا متمسك بتسمية الحراك الجنوبي، وأية تسمية أخرى لا أراها صائبةهل أبلغت هؤلاء الذين شكلوا المجلس هذا الرأي؟نصحتهم، والحوار يدور حول هذه الفكرة، وهم يدرسونها واحتمال يوافقوا عليهاوماذا عن التسميات الأخرى مثل المجلس الوطني والهيئة الوطنية للاستقلال ونجاح؟ممكن أن يكون الاسم مشتقاً من الحراك أو منسوباً إليه، مثل المجلس الوطني للحراك الجنوبي، نصحت كل الأطراف وألمس استجابة منهمالحراك، كما تعلم، تميز بأنه سلمي، وهذه ميزة غير مسبوقة في تاريخ المعارضات والاحتجاجات اليمنية. هذه الميزة كانت واضحة لدى الناشطين في الحراك خلال عامي 2007، و2008. الأمور، كما تبدو الآن، تأخذ منحى آخر، إذ نسمع من البعض تلويحاً باللجوء إلى القوة، كما تحصل أحياناً صدامات في الشارع. ألا تنتابك خشية من ضياع هذه الميزة؟الحراك سلمي، واستراتيجيته سلمية. وكل أطراف الحراك مقتنعة بالمبدأ السلمي وتنبذ العنف، وهذا المبدأ لا يمكن التخلي عنه. لكن قد تقوم أطراف خارجية أو أطراف أمنية من السلطة بدس عناصر في فعاليات الحراك للقيام بشغب كما حدث في الحبيلين والضالع (2008). الشغب حصل في الحبيلين والضالع، ولكن الاعتقالات وقعت في عدن، ما يؤكد أن السلطة وراء الشغب لتبرير الاعتقالاتولكن هناك في الحراك من يلوِّح بالعنف. علي سالم البيض قال لجريدة "الأخبار" البيروتية إن الطابع السلمي للحراك ليس سقفاً، وقال كلاماً مشابهاً في تصريحات لقناة فضائية، ويوجد آخرون يلوحون بإمكان اللجوء إلى وسائل أخرىلا أعتقد أن يتجه الحراك إلى العنف، هذه استراتيجية. من المحتمل أن تكون هناك حالات شاذة تقع هنا أو هناك، وكما قلت فإن هذا قد يكون بسبب تدخلات خارجية أو تدخلات جهات أمنية. بالنسبة للبيض فأنا لم أسمع منه كلاماً في هذا الخصوص، وما سمعته هو تأكيداته في أكثر من مرة، بالتمسك بالنضال السلميصحيح، أكد التمسك بالنضال السلمي مراراً. هذا ما فهمته من قوله إن الحراك السلمي ليس سقفا. ومع ذلك سأدقق في ما قاله لجريدة "الأخبارما أستطيع تأكيده هو أننا مقتنعون بأن الحراك سلمي ولا يمكن حرفه إلى العنف، لأن العالم كله مع النضال السلمي والديمقراطي، وفي حساب الربح والخسارة فإن الإنسان العاقل يدخل على خصمه من نقطة ضعفه وليس من نقطة قوته. ونقطة ضعف السلطة هي العمل السلمي، لأن السلطة لا تملك منطقاً في ما تمارسه. وسأعطيك مثلاً؛ حتى الآن لا تستطيع السلطة أن تحرك مسيرة في الجنوب مؤيدة لها إلا إذا جمعت عسكريين وأمنيين. حتى الجنوبيون الموظفون في السلطة بافتراض قناعتهم بالوقوف مع السلطة، فإنهم لا يستطيعون الوقوف معها في قمع النضال السلمي في الجنوب، لكن إذا انحرف النضال السلمي نحو العنف فهناك إمكانية لوجود جنوبيين يحملون السلاح مع السلطة ضد الحراك. لهذا فإن الحراك ثابت على مبدأ النضال السلميلكن هناك من يجاهر باستخدام القوة مثل طاهر طماح الذي أعلن قبل أكثر من عام تشكيل "كتائب سرو حمير"، ويقول في تصريحات صحفية إنه يجند مسلحين لهذه الكتائب وينسب نفسه وكتائبه للحراكأسمع بهذا. لكن الحكم على الأمور يتم انطلاقاً من النهج الرسمي لمكونات الحراكهذه الكتائب تقوم بعمليات وتتبنى المسؤولية عنها. هل تعرف هذا الشخص؟لا. أعرف آخرين من أسرته. وعلى أية حال الشباب دائماً يميلون إلى المغامرة، ومع التجارب يكتسبون خبرة ويعودون إلى الصواب. وكما تلاحظ فإن كثيرين من اليمنيين، من الشمال ومن الجنوب، من السياسيين ومن الشباب، ينطلقون في نظرتهم إلى الأمور من القدرة على الفعل وليس من شرعية هذا الفعل من عدمها. إذا انطلقوا من شرعية هذا الفعل من عدمها فإن أحكامهم بالتأكيد ستكون صحيحة. أما إذا انطلقوا من مبدأ القدرة على الفعل بصرف النظر عن شرعية هذا الفعل من عدمها، فإن أحكامهم ستكون خاطئةأفهم من كلامك إمكانية ظهور تعبيرات على هامش الحراك، وليس في جوهره، تمارس العنف. وهذه التعبيرات قد تشكل مدخلاً للسلطة لممارسة المزيد من العنف ضد الحراك؟هذا صحيح، وهو يعتمد على قدرة الحراك على إقناع (هؤلاء) بالنضال السلمي باعتباره الأسلوب الصائبوأنت تنصح قيادات الحراك بإقناع هؤلاء؟بالتأكيد. وبالنسبة لطاهر طماح فإنه ينبغي الجلوس معه ومناقشته، وأنا واثق من أنه سيقتنعربما، ولكن الرجل، كما يظهر من تصريحاته، على قناعة راسخة باللجوء إلى القوة. وهو يكرَّر بأن النضال السلمي غير مجدٍ في مواجهة السلطة، التي تمارس العنف ضد الاحتجاجات السلمية، ويضيف قائلاً بأن الاحتجاجات السلمية لم تثمر شيئاً على مدى عامين. أقصد أنه متشبع بفكرته في المقاومة المسلحةإذا جلس مع نفسه وقارن بين الحراك في الماضي والآن، وقارن بين موقف السلطة في الماضي وموقفها الآن، لرأى أن الأمور تتقدم لصالح الحراكلننتقل إلى مطلب فك الارتباط. في السياسة وفي القانون الدولي والعلاقات الدولية لا يوجد شيء اسمه "فك ارتباط"، وتعرف أن فك الارتباط هو مفهوم عسكري اشتهر بعد حرب أكتوبر 1973، عندما اعتمد هنرى كيسنجر مبدأ الخطوة خطوة، بادئاً بفك الارتباط بين القوات المصرية والإسرائيلية على جانبي قناة السويس. من أين جاء هذا الشعار؟أعلن الأخ علي سالم البيض في 21 مايو 1994 فك الارتباط بين الشمال والجنوب، وهو ما يزال متمسكاً به. ولكن مهما يكن فإن الشيء الذي لا تستطيع السلطة ولا نستطيع نحن الهروب منه هو: الشرعية الدولية أو الشرعية الشعبية. ما عدا هذا هو رغبات سياسية لسياسيين جنوبيين ولسياسيين في الشمال (في السلطة)، وأقصد إما أن تقبل صنعاء بالحوار على أساس قراري مجلس الأمن الدولي باعتبارهما قرارين للشرعية الدولية، وإما أن تقبل باستفتاء الشعب في الجنوب على قبول هذا الوضع أو رفضه. هذا هو الحل الذي لا تستطيع السلطة ولا يستطيع الجنوبيون أن يأتوا بغيره إلا في حالة واحدة، هي انهيار الدولة وصوملة اليمنوهذا ما لا يتمناه أحدنعم، ولكن مهما راوح الناس ومهما تشنجوا فإنهم سيعودون إلى ما قلته أعلاه لأنها لا توجد شرعية لأي من الطرفين إلا بذلكأين تضع "فك الارتباط"، إذْ لا محل له في الشرعية الدولية، لأن قرارات مجلس الأمن تطالب طرفي الأزمة والحرب حينها (1994) بوقف العمليات الحربية والعودة إلى الحوار على أساس الدولة اليمنية الواحدةقرارا مجلس الأمن الدولي يقولان بالحوار بين الشمال والجنوب. فلا وحدة بالقوة ولا انفصال بالقوة. أما فك الارتباط فأنا شخصياً ليس لدي وضوح حول هذا المفهوم. أفهم أن "فك الارتباط" أو "الانفصال" هو اعتراف ضمني بوجود "وحدة"، وعندي أن الوحدة ليست موجودة أصلاًفي الشرعية الدولية هناك قراران يتعلقان بأزمة داخل دولة واحدة، والقراران يدعوان إلى وقف الحرب والعودة إلى التفاوض، والحكومة اليمنية وجهت يوم 7 يوليو مذكرة إلى مجلس الأمن تتضمن التزامات الطرف المنتصر في الحرب، وأبرزها معالجة آثار الحرب وتطبيق وثيقة العهد والاتفاق. هذه هي الشرعية الدولية في نظريالشرعية الدولية هي المشار إليها أعلاه، وهناك الشرعية الشعبية. مثلاً تستطيع السلطة أن تقول صحيح هناك قرارات للشرعية الدولية وهناك التزامات، لكن الشعب في الجنوب مقتنع بالوضع القائم. السلطة تستطيع أن تقول هذا الكلام. ونحن نستطيع أن نقول الاستفتاء هو الحكم