المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لو عاد قطار العمر


جني تعرفوه
2008-02-10, 09:49 PM
لو عادت بنا الأيام، فماذا يا تري كنا سنفعل؟ أو ما الذي كنا سنمتنع عن فعله؟ إلي أين كنا سنتجه؟أو ما هي تلك الدروب التي كنا سنعلق في خيالنا علي نواصيها علامة الجمجمة والعظمتين؟ هل كنا سنختار نفس المثل العليا،أو نفس الأصدقاء، أو نفس المشاوير، أو نفس الحبيبات، أو نفس المعارك؟ كيف كنا سنحلم؟ وبماذا؟ بالخلاص الفردي؟ أم بالذوبان إلي درجة التلاشي في المجموع؟ هل كنا سنطرب لنفس الألحان، أو نفس القصائد، أو نفس اللوحات، أو لرؤية نفس الوجوه، أو بمجرد ملامسة نفس الأيدي؟ بأي فكر كنا سنتأثر؟ أو ما هي تلك المعتقدات أو المبادئ التي كنا سنكتب علي أسوارها بالخط العريض منذ البداية لافتة تقول: احترس! حقل أوهام. لو تقرر في مكان ما أن يبدأ العمر مرة أخري من أول الشريط، فهل يا تري كنا سنكتفي بالتفرج عليه، كجمهور السينما المذعن المعتاد علي القبول الذي ليس من حقه سوي أن يتابع ما يجري أمامه علي الشاشة صاغرا؟ كالجمهور الراضي المسامح الذي لا يدبدب بالأقدام علي الأرض أو يطالب باسترداد ثمن التذاكر، أو يصرخ: سيما أونطة.
بالنسبة لي أنا علي الأقل لا يوجد ما هو أكثر سماجة من الإجابات النموذجية، خاصة في قضيةي مصيريةي كهذه. تسأل المذيعة البغبغان شخصا ما، سياسيا كان أو فنانا أو سمسارا أو محاميا أو دجالا أو لاعب كرة، مفكرا كان أو شيخا بجبةي وقفطان أو طبيبا نفسيا أو لصا أو عالمة ذرة أو حتي قوادا رسميا: لو عادت بك الأيام، فهل كنت ستسلك نفس الطريق؟ ولم أسمع أن واحدا فقط من كل هؤلاء، واحدا فقط، جرب أن يتحرر من يونيفورم الإجابات النموذجية. الرد الوحيد الذي سمعته مكررا ألف مرةي من الجميع هو: لو عاد بي قطار العمر، لما اخترت شيئا غير الذي كان. بالطبع لدي كل واحد من هؤلاء أسبابه النفسية الخاصة التي تختلف من شخص إلي آخر. ومع ذلك، فلا بد أن تكون هناك قواسم مشتركةي بين الجميع. هل يرجع السبب ياتري إلي الاستسهال الناتج عن الكسل العقلي؟ أم إلي تملق الروح السائدة الميالة بطبيعة تكوينها التاريخي إلي الرضا بالمقدر، هل هو النزوع الميلودرامي المتأصل وجدانيا إلي التباكي علي ما فات؟ أم الذعر الهيستيري من الحاضر أو المستقبل إلي حد التحوصل في الماضي؟ لست في الواقع متأكدا.











قد تصلح هذه الإجابة النموذجية عاطفيا علي المستوي الفردي، عندما يتعلق الأمر بشرب عصير قصب تحت شباك بنت الجيران، أو بحوش المدرسة حيث حاولنا يوما أن نقلد بوشكش، فكانت النتيجة ثمانية أسابيع في الجبس. قد تصلح هذه الإجابة النموذجية مع التجاوز، عندما يتعلق الأمر بمدرس العربي الذي قال تعليقا علي موضوعاتنا الإنشائية: لما تبقي كاتب وليك اسم، اوعي تنسي إن الأستاذ جابر هو اللي علمك كان وأخواتها، أو بالفتاة العسلية العينين التي استمعنا معها لأول مرةي إلي أغنية: يا مواعدني بكره لعبد الحليم. قد تصلح عندما نكون في أمس الحاجة إلي استرجاع دعوات الأم أو نصائح الأب أو نظرة الجدة المشفقة، أو إذا استبد بنا الحنين إلي روائح الأمكنة التي أصبحت أثرا بعد عين، أو الأزمنة التي ارتبطت في قاع ذاكرتنا بالحد الأدني من الشعور بالأمان، أو بالحد الأدني من التحقق، أو بالحد الأدني من الفرحة.
أما بخصوص الشأن العام، فمعني إجابةي كهذه، بكل بساطة، أن يلغي الإنسان ذاكرته، وأن يلتمس النجاة بعيدا عن الصدام في مكان يظنه هو آمنا خارج التاريخ، وأن يفضل تدليك غدة الرضا عن النفس علي إمكانية التعلم من الخطأ. معني إجابةي كهذه، بكل بساطة، أن نعيد ألف مرة بناء ما سمحنا لهم بأن يدمروه أمام أعيننا، وأن نفتش كالمجانين ألف مرة عن ملامحنا الفردية أو الجماعية التي تركناهم يطمسونها. معني هذا أن نبتلع الطعم المرة تلو الأخري مع كل من يضحك علينا جهارا نهارا استنادا إلي أن القانون لا يحمي المغفلين، وأن نشارك في نفس الزفة لكل من يصنع لنا من البحر طحينة. نفعل هذا إما علي سبيل التظاهر بالاقتناع تجنبا لمواجهة مصيرية، ليس من الممكن في الحقيقة تجنبها، أو بادعاء أن هذا من باب التكتيك الذي لا يجيد فنونه إلا حضرات الساسة المخضرمين. النتيجة الوحيدة المتوقعة هي دائما أن نصدق مرة أخري نفس الزعماء الذين طالما كذبوا علينا في الماضي، هم أو شراذم الانتهازيين الذين يبيعون لنا نفس السلعة بعد أن انتهت مدة صلاحيتها.


ابناء الجنوب لاتكونو كما يقال معاهم معاهم عليهم عليهم


تفهمو الامور بتمعن ولا تتسرعو فان العجلة من الشيطان

وتحياااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا ااتي