المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأم المزيفة


معين الجنوب
2009-10-14, 10:38 AM
الأم المزيفة

الاربعاء, 14 أكتوبر 2009

تصح في حركتي «فتح» و «حماس» تلك الأسطورة عن الحكم الذي أصدره الملك سليمان بقطع طفل الى جزئين متساويين، لعدم يقينه بأمومة اي من الامرأتين اللتين ادعت كل منهما امومة هذا الطفل. وتقول الاسطورة ان الأم المزيفة وافقت فوراً على حكم سليمان بتقطيع الطفل. اما الأم الحقيقية فإنها رفضته متخلية عن الطفل لغريمتها خوفاً عليه من الهلاك. اي انها تنازلت عن حقها في الأمومة من أجل ان يحيا طفلها.

وسلوك الحركتين مع القضية الفلسطينية مثل سلوك الأم المزيفة. ليتمزق الطفل إرباً، وليتمسك كل منهما بما استولى عليه من أشلائه.

الشواهد كثيرة على سلوك القوتين الفلسطينيتين الأساسيتين، منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة، وفوز «حماس» بغالبية مقاعد المجلس التشريعي، مروراً بمفاوضات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وباستيلاء الحركة الاسلامية على قطاع غزة بقوة السلاح وطرد «فتح» منه، وصولاً الى حكومتين، واحدة في غزة وأخرى في رام الله، تتمسك كل منهما بأشلاء سلطة لا يهمها الا نكاية الحكومة الأخرى.

لكن، جاءت قضية تقرير غولدستون، مترافقة مع المسعى المصري الى المصالحة وإعادة لحمة الأشلاء المتناثرة بين غزة ورام الله، لتؤكد السلوك اياه الذي اتخذته الأم المزيفة.

التقرير الدولي الذي وضعه القاضي الجنوب افريقي ريتشارد غولدستون عن حرب غزة خلص الى ان الجنود الاسرئيليين ومقاتلي حركة «حماس» ارتكبوا جرائم ضد الانسانية، باستهدافهم مدنيين خلال المواجهات. بما ينطوي على إدانة لهذا النوع من الحروب التي دفع ثمنها مدنيون، خصوصاً في القطاع الذي يعاني المآسي والكوارث، بفعل حكم «حماس» والعدوان الاسرائيلي.

اما المصالحة التي ترعاها القاهرة فتهدف الى انهاء الحكومتين القائمتين في غزة ورام الله واستعادة وحدة السلطة الفلسطينية، ومعها وحدة الارض الفلسطينية. وليس سراً ان التفاصيل والشروط والشروط المضادة غيّبت هذا الهدف، وجعلته عراكاً على حصص في السلطة الجديدة الناتجة عن المصالحة.

السلطة في رام الله وافقت على تأجيل إحالة تقرير غولدستون على مجلس الأمن، متجاهلة المعنى العميق للإدانة الواردة فيه لمصلحة القضية الفلسطينية، وحتى لخصومتها مع «حماس». وأغلب الظن ان القرار جاء ليرضي طرفاً آخر، قد يكون الولايات المتحدة، من اجل انقاذ علاقة السلطة معها والبقاء في موقع المحاور لها.

اما «حماس» التي تحفظت عن التقرير لدى صدوره، لم تعد ترى فيه سوى قرار التأجيل، وليس المضمون الذي يدينها كما يدين اسرائيل. وذلك من اجل إظهار غريمتها السلطة، ومعها «فتح»، بمظهر الخيانة والتخلي عن القضية وكسب اوراق اضافية في المعركة معها.

وفي الحالين ضاع حق الشعب الفلسطيني في محاسبة الذين اساؤوا اليه على هذا النحو الكارثي، وضيّعوا فرصة ذهبية لمعركة ديبلوماسية، مضمونة النتائج، لإدانة السلوك الهمجي في الحرب على غزة، وربما لتفادي تكرار هذا النوع من الحروب مستقبلاً.

اما الموقف من المصالحة، فتحركه ايضاً دوافع ابعد ما تكون عن التخلي عما يعتبره كل طرف مكاسبه. وليس تقرير غولدستون الا الحجة التي رأت فيها «حماس» فرصة ذهبية للتخلي عن التزام التوقيع في الموعد المحدد. كما ان اصرار «فتح» على التوقيع لا يعدو كونه فرصة للتنديد بالحركة الاسلامية بذريعة رفضها المصالحة.

وفي الحالين، ضاعت اهداف المصالحة وضرورة توحيد الصوت والارض في فلسطين، في مواجهة اسوأ السيناريوات الاسرائيلية. ولم يبدر من اي من الطرفين المتخاصمين ما يشير الى انه يتصرف كأم للطفل، وانما كتلك الام المزيفة التي لا تهمها حياة الطفل، وانما الاحتفاظ بأشلاء منه، وبأي ثمن.