المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل توحدنا الهوية الجنوبية بعد ما مزقتنا وفرقتنا وهمشت تاريخنا الأيديولوجية الحزبية


فداء الجنوب
2009-08-29, 03:17 AM
هل توحدنا الهوية الجنوبية بعد ما مزقتنا وفرقتنا وهمشت تاريخنا الأيديولوجية الحزبية

الدكتور علي ناصر الزامكي - موسكو / 28 اغسطس 2009




هذا السؤال يحيرني و يحير الكثير من جيل الشباب و الذي لازال يحتاج إلى نظره ثاقبة للغوص في أعماقه و البحث عن الأسباب و التداعيات التي أحاطته خلال أكثر من نصف عقد من الزمن في الجنوب؟ نعم مر على الشعارات القومية زمن ليس بالقصير و التي كانت فيها الوحدة العربية هي الهدف الرئيسي لتلك التيارات و الإيديولوجيات الحزبية الوفية لشعاراتها ذاتها فقط و ليس للوطن أو هويتها التاريخية و لا يهمها كيف تحقيق الوحدة العربية و بأي شكل ستكون و لكن كل تيار يحلم بالوحدة العربية حسب مقاسات أيديولوجيته على مسافات تفكيره و لم يدرك هل حلم الوحدة العربية ممكن, أم بلطجة سياسية ايديولوجيه تعبر عن طموحات ذلك التيار و أفراد حزبه فقط, بعيداً عن ما يمليه الواقع المعاش و بالتالي تصبح الوحدة غاية حزبية و ليس مطلب شعبي كما يروج له الإعلام العربي, في ظل الشعارات الحماسية و العاطفية المؤقتة في تلك الفترة و من خلال ما ذكر أعلاه يمكننا القول بان تلك التيارات و الاتجاهات و الإيديولوجيات المقيتة يمكنها تتمدد حسب المسافات التي تتحرك فيها و كل تيار يرى انه هو الأقدر و الأفضل على تحقيق حلم الوحدة العربية الشاملة و المرشح شعبياً لقيادتها و المعبر الأمثل لتطلعات و مصالح جماهيرها الشعبية.
عندما تأتي تلك التيارات أو تلك الأحزاب إلى سدة الحكم, في هذا البلد أو تلك تحاول تلك التيارات تحقيق حلم الوحدة العربية حسب توجهاتها و سياساتها الحزبية و الأيديولوجية و يجعلونها شعار قومي دائم شكلي و جوهرها حزبي مناطقي مقيت و لدينا تجارب عديدة على سبيل المثال ماجرى في ظل دولة الجنوب فترة حكم الحزب الاشتراكي اليمني و في حقيقة الأمر هذه الظاهرة ليست محصورة على الحزب الاشتراكي اليمني بالجنوب و لكنها ظاهرة عامة انتشرت فترة حركات التحرر الوطني بشكل غير مسبوق و تجاوزت الوطنية و القطرية إلى خارج حدودها و بالذات في اطروحاتها السياسية و برامجها السياسية في تلك المرحلة الماضية, فمثلاً فترة حكم الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي كانت برامجه و قراراته تهدف إلى تحقيق مصالح سوفيتية وهي ذاتها (الأيديولوجية الحزبية) تدعي بأنها ذات المصالح الأممية التي ترتكز عليها أيدلويوجية الحزب الحاكم و لم يبقى للأحزاب الشيوعية المنتشرة في بقاع الأرض إلا أن تدافع عن سياسات الحزب الشيوعي السوفيتي باعتبارها من وجهة نظرهم المعبر الحقيقي لتطلعات البشرية اجمع و ما عدا ذلك خيانة تستوجب العقاب و هذا ما عشناه و شاهدناه من عقاب جماعي في ظل حكم الحزب الاشتراكي اليمني خلال حكمه للجنوب.الواقع يفرض نفسه على مثل تلك الأيديولوجيات ولا يقبل بالفرضيات أو الحتميات الأيديولوجية التي يسوغها هذا الحزب أو ذاك مهما كانت سامية ونبيلة في, شكلها الخارجي, إلا أنها حتماً سوف تصطدم مع المصالح الوطنية العلياء للوطن و هويتها التاريخية المتجسدة في مشاعر و روح أهلها و ناسها و ثقافتها الوطنية على مر التاريخ.

لقد كانت الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 قراراً سياسياً وحزبياً و من منطلقات أيديولوجية مطلقة سواء بالنسبة للحزب الاشتراكي اليمني أو المؤتمر الشعبي العام و لكنها أيضا من منطلق المصالح الحزبية لهذا التيار أو ذاك الراغبة بالوحدة, فلو عدنا إلى الخلف قليلا و قراءنا التاريخ الأوروبي سنجد بان الوحدات الأوروبية قامت على معطيات أيديولوجية و مصالح حزبية و لكنها فشلت بسب أنها لم تنطلق من مصالح مشتركه لتلك الشعوب التي توحدت معها في تلك الحقبة من الزمن و لهذا شاهدنا من خلال التاريخ كيف دمرت أوروبا في تلك المرحلة من وحدتها الأيديولوجية على مقاسات وطنها و ليس على مقاسات تلك الدول التي توحدت معها و بالتالي فشلت تلك الوحدة الأوروبية في تلك الفترة و هذا يقودنا إلى طريقة و أسلوب الوحدة اليمنية التي قامت بين الاشتراكي و المؤتمر الشعبي العام و برغم بعض العوامل المشتركة بين الاشتراكي و المؤتمر الشعبي في حدود معينه إلا أن الايديولوجيه و صراعاتها كانت شاسعة.

هنا يأتي دور القرار السياسي الحاسم و يكون من الأسفل إلى الأعلى و هذا ما يرفضه نظام صنعاء اليوم أي لابد بان يتجرأ نظام صنعاء لإجراء استفتاء شعبي عام في الجنوب على الوحدة اليمنية الموقعة بين الحزب و المؤتمر ليقول الشعب كلمته الأخيرة فيها وبهذا سيكون قرار حكيم و سيدخل الرئيس صالح التاريخ من أوسع أبوابه بمثل هذا القرار و لكن يكون الاستفتاء الشعبي الجنوبي على الوحدة بإشراف دولي ليكون قرار الشعب ذات صفه دولية معترف بها و بالتالي سيكون الحديث عن الوحدة ذات شرعية وطنية أولا ودولية ثانياً, أما ما حصل من اتفاق بين حزبيين حاكمين لا يحمل صفة شرعية أو دولية, لأنه يعبر عن مصالحه وسياساته الحزبية فقط و لم يأت إلى سدة الحكم بقرار شعبي و إنما جاء بقوة السلاح واعذروني في عدم الخوض في ذلك الانقلاب.

إن مفهوم الهوية الوطنية الجنوبية في سياسة أحزاب اللقاء المشترك اليمني هي شعار, المواطنة المتساوية و بالتالي وضع معنى المواطنة و الهوية الوطنية لأي بلد في سياق و مستوى واحد هذا هو الخطاء الأعظم في حق تاريخ امة وشعب و للأسف المعارضة اليمنية حسب إعلامها لا تفرق أو تتعمد التمييز بين المصطلحين(الهوية الوطنية- و المواطنة) و حتى لا نتعمق في الغوص في ذلك لأنه قد يجرنا إلى مأزق يحتاج لوقت لشرحه و من الجانب الآخر, قد يستغلها النظام لصالحة و قد تجرنا إلى عوامل فلسفية تخرجنا عن موضوعنا الأساسي و لهذا يمكنني القول بان الهوية الوطنية انتماء, لهذا الأرض و هي قبل ذلك عقيدة وقيم, تترجمها معاني الانتماء, في حياة الإنسان وهي جزاء من شخصيته و تكوينها و بالإضافة بان تلك القطعة من الأرض التي ينتمي إليها الإنسان هي جزء من ديمومته و مكون له و هي تجسد بقاء الإنسان عبداً لأرضه وهويته وتاريخه و أمته و هذا الإحساس يجعل الإنسان يقوم بالعمل الجاد و الفاعل من أجل هويته و أرضه و تاريخه الذي يتجسد في تاريخ أمته ليكتب, عنه التاريخ بأنه يستحق بجدارة نعمة العيش تحت سماء أرضه. أما ما تقدمة لنا المعارضة اليمنية من مصوغات و مصطلحات جديدة مثل الوحدة الوطنية بين الشعبين هي نفس شعارات تلك الأحزاب الشيوعية عندما قدموا المواطنة على الهوية الوطنية للبلد و تعمدوا تعريف المواطنة بأنه التزام أخلاقي و إنساني تفرضه القيم الدينية على كل مسلم تجاه أي فرد على الأرض سواء مسلم أو كافر, لان المواطنة حق يكفله الدستور لكل فرد بغض النظر عن جنسه أو دينه و لكن المواطنة لا تعني الهوية التاريخية لهذا الفرد بقدر ما تعني مساواته بالحقوق و الواجبات مثله مثل ابن الوطن الأصلي مثلاً أنا مواطن روسي حالياً وأولادي أيضا ولدوا هنا ولكن تنطبق علينا حقوق المواطنة و لا تنطبق علينا حقوق الهوية الروسية لأنني أنا و ابني رغم مسقط رأسه بروسيا إلا انه يحمل هويتي التي احملها و لا نحمل في روحنا الهوية الروسية بقدر ما نحمل حقوق مكتسبه تفرضها قوانين وضعيه و قد تأتي قوانين أخرى تلغي علينا تلك الحقوق و بهذا لابد بان نميز بين أبناء البلد الأصليين و الذين يحملون الهوية التاريخية لهذه الأرض و بين المهاجرين في حقبة زمنية معينه من التاريخ.عندما تروج بعض الأحزاب عبر السياسة للهوية بكل تأكيد ستخرج من مسارها التاريخي إلى مسار سياسي يعتمد على الخديعة و الكذب على البسطاء الذين يجهلون معاني تلك المصطلحات و بالتالي تكون شعاراتهم اقرب إلى الطقوس و يظنون أنهم بذلك يدافعون عن الأمة من الانهيار والسقوط و لكنهم في حقيقة الأمر يتقوقعون حول شعاراتهم و ينعزلون عن شعوبهم و يسيطر عليهم الخوف بسبب أنهم خرجوا عن الهوية التي يدعون تمثيلها باسم الوحدة الوطنية ويخرجون منها إشكالية الهوية و التي تحمل موروث ثقافي و إنساني, بكل تأكيد ستظل مشكله مستعصية حتى إيجاد الحلول لفهمها و استيعابها بنفس المسافة و الحجم الذي تتحرك فيه حالياً قضيتنا الجنوبية.

أن حب أبناء الجنوب لجنوبيتهم هو جزأً من هويتهم و تاريخهم الكبير و العظيم و يمكننا بان نطلق عليه الحب الإرادي للوطن و هو حب غريزي يشترك و يندمج فيها الإنسان مع الأرض التي يتحرك فوقها أما المواطنة فهو حب فطري ساذج سرعان ما يذوب و يتغير مع تغيير الإقامة أو استبدالها بوطن آخر و لكن المواطنة لهذا الشخص أو ذاك يظل الحنين إلى أيام الصباء و الطفولة ليس أكثر و لكن الهوية الوطنية لهذا الشخص أي ابن البلد الأصلي يحمل أبعاد فلسفية معقده يصعب شرحها عبر هذه النافذة و لكنني أوجزها بالتالي:

هي خلاف المواطنة ابن الأرض الأصلي لا يحن إلى مرتع الصباء و الطفولة و ذكريات الشباب فقط ولكنه انتماء وعقيدة تاريخية تربطه بالأجداد و تاريخهم على مدى العصور الماضية ولها أطراف مختلفة هي وطن الأجداد و العالم من حوله و هنا يجب تعريف الوطن هل هو مكان إقامتك أو مسقط راسك أم هو انتماؤك الترابي أو انتماؤك الديني؟

هذه الأسئلة تحتاج إلى وقفة مع النفس لتعريف تلك الاستفسارات و عبرها ستدرك قيمة الوطن و هويته التاريخية حين فهمت معنى قيمة الوطن لها.أحيانا ما يدفعني للكتابة في مثل تلك المواضيع هو ما أشاهده للفهم القاصر لقمية الوطن و هويته التاريخية و بالتالي يصبح الوطن عند بعض المثقفين وأحزابهم السياسية, وكراً ضيقاً لمشاريعهم المقيتة و بالتالي تقزيم و تحجيم الوطن وهويته بمفهوم المواطنة هو جزأً من سياسات حزبية مقيتة لكنها سوف تصطدم بقوى وطنية حية ذات أبعاد سياسية تحمل في ثناياها الهوية الوطنية الأصل للبلد, ولو عدنا مرة أخرى إلى التربية الإنجليزية و هي تربية تسعى إلى إيجاد المواطن الصالح و يظهر للمتابع بان المواطن الإنجليزي في وطنه حريص على تحقيق المواطنة المتساوية لكنه رغم شعاراته و رغم التطور الهائل من التقدم العلمي إلا انه لا يحققها مع غيره من البدون المستوطنة و يظل يتفاخر بهويته و تاريخ أجداده و يرى انه ارفع من البدون المستوطنة في أرضه و انه سيدهم ولهذا فالمواطنة ستظل ناقصة طالما فقدت أهم معانيها و هي هويتها الأصلية التي يجب غرسها في نفوس, الأطفال وحبهم للوطن و الغيرة عليه والدافع و التضحية في سبيله

الدكتور علي ناصر الزامكي
موسكو