المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ارتباط الفك وفك الارتباط...بقلم الاستاذ اسكندر شاهر


alawlaqi
2009-08-03, 11:31 AM
ارتباط الفك وفك الارتباط7/31/2009 5:09:05 PM أخر تحديث للصفحة فياسكندر شاهر
هل كان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر يعرف أن اسمه سيخلد على هذا النحو الذي هو عليه وسيحظى بهذه المكانة التي لا ينازعه عليها أحد بين نظرائه من السابقين واللاحقين وذلك بكل تفصيلات هذه المكانة وحيثياتها الايجابية والسلبية ؟!
وهل ياترى وهو الذي لم يتقاطع أو يرتبط في أفكاره وسياساته إلا مع العظماء والكبار كان يُخيّل له أن فكه سيتقاطع ويرتبط مع فك الرئيس علي عبد الله صالح ؟ وأعني هنا بالفك الجوف الذي يحتوي على الأسنان والأنياب والأضراس بما يحمل من دلالة وتعبير عن النهش والالتهام والافتراس ؟.
قبل أيام كنتُ أطالع كتاباً للكاتب السوري أحمد عبد الكريم الذي كان وزيراً ومسؤولاً رفيع المستوى إبان الوحدة المصرية السورية ، وقد دوّن الرجل مذكراته وملاحظاته على تجربة الوحدة في وقت مبكر في كتاب أسماه " أضواء على تجربة الوحدة " وترجع الطبعة الأولى للكتاب إلى العام 1962م ، ولكني كنت أقرأ طبعته الثانية التي صدرت في العام 1991م . أي بعد فشل مشروع الوحدة المصرية السورية بحوالي 30سنة ، وقبل فشل الوحدة اليمنية (حرب 94م) بما يربو على العامين . ومن الواضح أن أحداً من الأفرقاء اليمنيين في تلك الحقبة لم يقرأ الكتاب وخاصة الحاكم المشغول بقراءة الطالع والفنجان وتنجيمات العوبلي . وإلا لكان قد استفيد مما وردت فيه من ملاحظات ونقاط أضاءت بحق على تجربة الوحدة بين مصر وسوريا وأضاءت أكثر على أسباب انهيارها والتي تتقاطع في كثير من جزئياتها مع الأسباب التي تتراكم كل يوم كمقدمة للانهيار الوشيك لما تبقى من مشروع الوحدة اليمنية ، فالجزء الأكبر قد قضي عليه تماماً ولم يبق إلا قراءة الفاتحة على أسوأ خاتمة.
ولمن يريد أن يعرف كيف ارتبط فك الزعيم عبد الناصر بفك الرئيس صالح أو تقاطع معه عليه بقراءة الكتاب المشار إليه كاملاً والذي يرصد كماً هائلاً من الوقائع التي كانت تكرس الهيمنة والضم والإلحاق والمواطنة غير المتكافئة وتحقير السوريين واعتبارهم مجرد موظفين وتابعين لدى بعض العناصر العسكرية والاستخباراتية من المصريين وأكثر من ذلك من الممارسات اللاإنسانية مما لا مجال لذكرها هنا ، مع قياس الفارق بأن المسألة هناك لم تتمخض عن حرب واتجه عبد الناصر إلى فك الارتباط فيما اتجه الرئيس صالح إلى تلويث فكه بالدماء معتبراً أن الوحدة بحاجة إلى التعميد بالحرب والقتل والفيد و أصر الحاكم وحلفائه الدينيين والقبليين على تنفيذ سياسة كانت مبيتة وجرى اللجوء إلى التصفية للقيادات ثم للمعسكرات ثم لأرض الجنوب ولشعب برمته في حرب بلا معنى ولا ضرورة .
ويقول الشهيد جار الله عمر في هذا الإطار "الحرب لم تكن ضرورية على الإطلاق ، وكان بالإمكان تجنبها ، وإذا ما نظرت إلى نتائج هذه الحرب الكارثية فإنك تستطيع أن تكتشف من الذي خطط لها ومن الذي استعد لها من أول لحظة".
ويضيف "الحرب لم تبدأ في 4 مايو 1994م ، ولكنها بدأت قبل ذلك في حرف سفيان في إطار تصفية الوحدات الجنوبية الموجودة في الشمال بالتدريج ، ثم تلاها تصفية معسكر عمران في 27 إبريل وغيرها .. اندلاع الحرب في 4 مايو جاء كتحصيل حاصل ، وقبل أن تنشب الحرب بصورتها النهائية كنا قد انتقلنا مع عدد من أعضاء لجنة الحوار من صنعاء إلى عدن ، والذين توصلوا إلى قرار ، وهو من يبدأ الحرب سيكون مسؤولاً عن عواقبها كاملة" (جار الله عمر يتكلم ، حوار وتقديم صادق ناشر، مركز عبادي للدراسات والنشر ، صنعاء، ط1، 2003م، ص 71).
ولأن مابني على باطل فهو باطل ، وما أقيم بلا أسس أو شروط للبقاء والديمومة فإن مصيره الفشل والانهيار والارتداد السلبي فإنه يمكن الربط بين (براميل) كان يعتقد بعضهم أنها فقط ما يفصل بين شطري اليمن وبين (حيط) بين مصر وسوريا من السهل هدمه كما عبر أحد الضباط السوريين آنذاك ، وفي هذا الصدد .. يذكر أحمد عبد الكريم عن الوثيقة أو المذكرة التي رفعتها قيادة الجيش والقوات المسلحة في سوريا إلى عبد الناصر ويقول: " ومما يجدر ذكره أننا عندما أخذنا نناقش نص المذكرة اقترحت شخصياً إيضاح بعض الشروط التي يجب أن تقوم عليها الوحدة ، وأيدني بذلك بعض الأخوان من ضباط القيادة الأمر الذي أدى إلى انقسام الحاضرين إلى قسمين ، قسم يؤيد فكرة وضع الأسس الرئيسية التي ترى أن تبنى عليها الوحدة.
وقال الآخرون وكانوا الأكثرية بعدم وضع أي شروط في المذكرة ، ومما قاله أحد الضباط على اقتراحي : بأن الشخص الذي يريد أن يضع شروطاً على عبد الناصر من أجل الوحدة لم يخلق بعد وأضاف إن المسألة عبارة عن (حيط بيننا وبين مصر ونريد هدمه هكذا ...)، وعلقت على القول بأن الرئيس عبد الناصر إنسان وهو كبقية البشر بل يمكن أن يخطيء ويموت ولذلك قد يكون من الأفضل للشعبين وله أيضاً أن تكون الأمور واضحة" (أضواء على تجربة الوحدة، أحمد عبد الكريم ، ط2، الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، ط2، 1991م، ص 101)
مما لاشك أن عبد الناصر استفاد كثيراً في حياته السياسية والعسكرية والدبلوماسية من ثقافة الاعتذار التي تمتع بها فلم يكن قادراً على هضم فكرة كونه زعيماً للقومية العربية ولمشروع الوحدة العربية ومؤسساً لعدم الانحياز وفي الوقت نفسه زعيماً للاستعمار المصري على سوريا فاختار الاعتذار بفك الارتباط ..
يقول أحمد عبد الكريم : "عدتُ إلى القاهرة في 1 أيلول1959م مقتنعاً باستحالة الاستمرار في الحكم إذا لم يبادر الرئيس إلى معالجة الأمور بصراحة في الإقليم الشمالي بشكل يضمن اقتناع الشعب السوري بأنه يشارك فعلاً في الوحدة على قدم المساواة مع الشعب المصري ، وأنه يساهم في رسم مصيره ، ولا يهم إطلاقاً بقائي أو بقاء كافة العناصر المساهمة في الحكم ، وإنما الأساس هو ينتقي الرئيس من يشاء من السوريين وان يمنحهم ثقته الكاملة وان يشركهم معه في رسم سياسة الجمهورية وتنفيذها بما يضمن زوال الشكوك التي سيطرت على الشعب في الإقليم الشمالي خلال عام ونصف ، واقتناعهم بأن الوحدة كما يطبقها الرئيس عبد الناصر ليست إلا شكلاً من أشكال الاستعمار المصري ، وان الوزراء السوريين ليسوا إلا دمى ، وان الحكومات المركزية عبارة عن حكومة منفى كالحكومات التي عرفها العالم خلال الحرب العالمية الثانية" ( أحمد عبد الكريم ، نفس المصدر ، ص 194).
وهنا يذكرنا الكاتب والوزير السابق بحال المسؤولين الجنوبيين ممن لم يجرؤوا على الاعتراف بأنهم مجرد موظفين ولا يريدون الإقرار بأن صلاحيتهم إن توسعت بعض الشيء فإنما بفضل الحراك الجنوبي وليس بفضل الكرم السنحاني ، بل إن بعضهم راح يهاجم الرئيس الجنوبي علي ناصر محمد وينعته بأقدح النعوت فقط لأنه قال بأن بعض المسؤولين الجنوبيين لم يرتقوا من مستوى المشاركة إلى مستوى الشراكة ، مع سابق علمهم بأنه لو كانت ثمة شراكة لما كان للحراك الجنوبي أي وجود من الأصل ولما كان ثمة وجود لما يسمى القضية الجنوبية .
قد عرفنا إذاً ..بعضاً من معالم ارتباط فك عبد الناصر الذي تجنب الحرب وقرر فك الارتباط بفك الرئيس صالح الذي تعمد بالدم ويرفض فك الارتباط . كما علمنا نتيجة الوحدة المصرية السورية ومصيرها فماذا سيكون مصير الوحدة اليمنية في ظل فك مفتوح وفاغر ، وارتباط مغلق وقاهر؟!.

حكمة:
حياة الشجاع في موته وموت الجبان في حياته
المصدر

http://www.barakish.net/news.aspx?cat=12&sub=14&id=956