المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النمو الاقتصادي والاكتفاء الذاتي خرافة ..قراءة تحليلية في عقود المشاركة للنفط والغاز


زكي اليافعي
2009-04-17, 06:54 PM
النمو الاقتصادي والاكتفاء الذاتي خرافة ..قراءة تحليلية في عقود المشاركة للنفط والغاز والمعادن«الأيام» مساعد عبدالله بن ناجي:http://www.al-ayyam.info/IssuesFiles/60996ed8-d52c-4a19-b1ef-d4bc9fe23266/MusadAbdulla.jpgمنذ انطلاقها من اندونيسيا في أواسط الستينيات من القرن الماضي شغلت ما تسمى بعقود المشاركة في إنتاج النفط والغاز حيزا كبيرا من اهتمام صناع القرار السياسي والاقتصادي.

والأوساط الفنية والإعلامية والقانونية في بلدان ما يسمى بالعالم الثالث المغبون كونها من اشد الترتيبات التعاقدية تعقيدا وغموضا وابتزازا وتهميشا وإذلالا وتدخلا في شؤون الدول.

الحقيقة أن شركات الاستثمار الأجنبية في هذه السلع الاستراتيجية الرائجة من الموارد لاتجازف ولاتخسر إلا فيما ندر لأنها قد تدربت على كافة احتمالات الربح بتكييف سياساتها وخططها وبرامجها ودراساتها المعمقة على نماذج معينة من البلدان خاصة بلدان الشرق الأوسط المغبونة بسبب ظروفها السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية المعقدة، يساعدها في ذلك النفوذ السياسي الدولي ورؤوس الأموال وتكنولوجيا المعلومات والرصد والتحري عن بعد.

لذا نجد أن هذا النوع من الترتيبات التعاقدية ذا طابع احترافي 100% ويعتمد بدرجة أساسية على المساومة وخلفية ضعف خبرة المفاوضين اللغوية والقانونية ودرجة تفشي الفساد المالي و(السياسي) والاقتصادي والمعلوماتي وضعف الرقابة في البلد المستهدف.

ومع الأسف القول إن تلكم التخصصات والخبرات في المفاوضين وان توفرت إلا أن الفجوة تظل كبيرة بين الهاوي والمحترف إلى ما شاء الله.

أولا: في قطاع النفط:

1 1- التحليل الإقليمي للمجازفة في عقود المشاركة:

يشير مفهوم درجة المجازفة إلى عوامل متعلقة بالقطاعات التي يجري التفاوض حولها من حيث الظروف الطبيعية التي لا دخل للعنصر البشري فيها كالتضاريس وفي البر أو الأدغال أم في البحر, والأخريان يلعب العنصر البشري والتكنولوجيا سلما وحربا فيهما دورا بالغ الأهمية كمستوى ونوع الدراسات الفنية السابقة كالجيولوجية والجيوفيزيائية وخاصة السايزمية والبئرية ويستدل بها على نوع التراكيب المكمنية وامتداداتها الرأسية والأفقية وسمكها ونوع البيانات المتوفرة وإمكانية إعادة معالجتها, وأما الظروف السياسية والأمنية فهي متغيرة وهناك حالات كثيرة كان لشركات الاستثمار الأجنبية دورا خطير في فرض قرار الحرب والسلم أو التغييرات الوزارية والبرلمانية وحتى التدخلات العسكرية، لذا فإن المجازفة بمعناها الاقتصادي الحرفي في بلدان الشرق الأوسط نادرة وبمعناها الابتزازي تتخذ صورا وأشكالا لا مجال لذكرها هنا.

الجدول (1) يبين لنا للوهلة الأولى أن اليمن من أشد الدول إذعانا وإقبالا على هذا النوع من العقود (بأجيالها الخمسة) خلال مدة قياسية بالمقارنة بدول لها خبرة طويلة في مجال النفط والغاز:

يلاحظ أن العراق والسودان لم يشملهما الجدول كونهما بلدين لهما تجاربهما وظروفهما الفريدة من باقي دول الشرق الأوسط وأما الجزائروقطرفسيتم الحديث عن تجربتهما في مجال الغاز الطبيعي. أما التسمية المميزة بالأجيال فاشتقت على ما يبدو استنادا إلى درجة حداثة الاتفاقية وشروطها وتعديلاتها أو إلى العقد الزمني الذي وقعت فيه انطلاقا من الجيل الأول الأساسي الموقع في اندونيسيا عندما ظهرت فيها أول مرة (انظر الخارطة).

2-1 تحليل الوضعية المحلية للمجازفة:

لنأخذ اتفاقيات المشاركة السبع الموقعة قبل أسابيع مع شركات أجنبية متعددة الجنسيات والتي سميت عقود الجيل الخامس كونها أتت بميزة (جديدة) هو اشتمالها على استغلال الغاز المصاحب والغاز البترولي (المكثفات) وبالأصح مصدر الطاقة المستقبلية النظيفة, وسنرى من هم المجازفون عمليا، ومنذ الوهلة الأولى. ما إن بزغ فجر التوحد حتى تسارعت الشركات النفطية العالمية مباشرة وتم توزيع القطاعات المنتجة والمكتشفة وغير المكتشفة عليها بصورة خاطفة وارتجالية ولم يتنبه أحد لخطورة هذه الخطوة إلا الخبراء المحايدين ومنهم أحد الخبراء الدوليين العرب الكبار في الصناعة النفطية بمملكة النرويج الذي انتقد الاستعجال في صرف هذه الحقول والقطاعات وما سيجره على اقتصادنا من خيبة أمل وكوارث، لكننا لم نفقه ما يقول آنذاك لأن بعض مفاهيم الصناعة النفطية جديدة علينا فعلا على صعيد القطاعات المنتجة تدهورت عطاءات الحقول ووئدت آبارها ومكامنها بالجملة بعد سبع سنوات تقريبا لأسباب فنية وإدارية كثيرة، أهمها الضغط الجائر على المكامن وتدني أعمال الصيانة وضعف الرقابة والإشراف عليها، ولم تجد بضعة ملايين من الدولارات المستلمة نقدا مقابل استثمار بعض منها مع منشآتها السطحية في إعادتها ولو إلى العشر من قدرتها الإنتاجية المؤكدة وفشلت خطط (الإحلال) المسماة باليمننة في تقديم برامج صيانة وإعادة جاهزية وتأهيل الحقول أو تقييم الأثر البيئي حتى اللحظة. ليسوا سواء خبراء الشركات النفطية العالمية والكوادر الوطنية المؤهلة تصنف مناطق شبوة وحضرموت والمهرة الصحراوية والنجدية (الهضاب) كمكامن بترولية وغازية من الدرجة الأولى منذ إجراء المسوحات الجيولوجية والجيوفيزيائية الأولية ولا داعي لذكر التفاصيل, وما قبل الوحدة صرفت الدولة في الجنوب ملايين الدولارات عينا وقروضا لتأسيس قاعدة بيانات لأهم المعطيات الحقلية الطبوغرافية والجيولوجية والجيوفيزيائية السايزمية والجذبية والمغناطيسية بمقاييس رسم إقليمية وتفصيلية نفذتها شركات عالمية متخصصة لا يستهان بها. وبالطبع تقودنا هذه المدخلات إلى المسلمات التالية:

- بعض المناطق منتجة (عياد الغرب والشرق وأمل وخروة والعقلة ولياديم والمسيلة وشرق شبوة وشرمة المغمورة ) وغيرها.

- بعض المناطق مكتشفة (وادي حجروشولة والمغرف والمكراب وعمقين والعلم وعارين وحراد وشبوة القرية وجردان وبرقا وعساكر والخادع وجنة بما فيها المشاف والثنية والحرمل والنجية ودمنان وذهبا) وغيرها.

- مناطق ذات مؤشر نفطي وغازي عالي الاحتمال (وادي سعف, سير حزر, ثمود, حوض بلحاف, حوض عدن أبين, حوض القمر, حوض الضالع لحج, جزيرة سقطرى، ثوف ودمغوث)وغيرها

- مناطق قلبت نظرية صخور المصدر النفطية على المستوى الإقليمي باكتشافه في صخور الأساس (العقلة مثلا)

- درجة اليقين للمعطيات الحقلية والمعلومات والبيانات المتوفرة عن التراكيب الجيولوجية ذات قيمة عالية.

- درجة المجازفة منخفضة.

- أجندة التفاوض مريحة بكل المقاييس لصالح البلاد والعباد.

من هذا المنطلق ومن مسئولية الأمانة المهنية نرى أن تمرير هكذا اتفاقيات في هذه الظروف المحلية والإقليمية والدولية المعقدة وبالشروط والبنود التي ذكر اغلبها في مجلس النواب الموقر وعرضت في التلفاز ليست إلا استعجالا وتنازلا وتفريطا آخر على غرار الاستعجال الذي رافق تباشير واحتفالات الوحدة والفراغ الدستوري وكانت نتائجه كارثية وكبدت الشعب قرابة عشرين سنة عجافا لم يتحقق النمو الاقتصادي المأمول ولا الاكتفاء الذاتي المنشود ولو في حدود هما الأدنى.

- حوافز التوقيع والإنتاج لم يفصح عنها ولم تضف إلى مبالغ المنح المدونة في عمود الحوافز أعلاه!.

- البيانات بين قوسين شبه مؤكدة.

- قيمة البيانات والمعلومات والدراسات السابقة التي أشير إليها أعلاه والمقدرة بملايين الدولارات لم تذكر مع إنها إجبارية و استعادة ما يعادلها بصرف اليوم حقا واستحقاقا لا يقبلان المساومة.

- الغاز ضريبته 10% مما يعكس توقعات تفلت الإدارة المحلية والأجنبية والتكنولوجيا من الالتزامات وتحويلها إلى تكاليف (غير منظورة) للتلوث وسيناقش لاحقا.

- نسبة العوائد المقدمة للدولة في مرحلتي الاستكشاف والتطوير ربما تحسب من إجمالي تقديرات تكاليف المسح والتطوير أو بسعر افتراضي لبرميل النفط وهذه ضربة معلم عجول ومجازفة علينا سندركها في الفقرة التالية وتنازل عن حق أبلج معا، لأن هذه النسب ما هي إلا الريع المسمى Royalty أوحق الملكية في أدبيات النفط العالمية ولا يعاد خصمها لاحقا ضمن نفط الكلفة ويحدد استلامها عند بداية الإنتاج وعادة تكون نسبتها أكثر من 15% في عقود بلدان الشرق الأوسط.

- المدد المخولة لمرحلتي الاستكشاف والتطوير متراخية كون التصور الايجابي موجود وتنقصه درجة يقين أكبر ومعالجات أحدث وعندما يدرك المقاول ربحية القطاع سيتلكأ عن الانتقال إلى المرحلة التي تليهما ليرفع حصته من نفط الكلفة, كذلك مدة الإنتاج والتصدير مبالغ فيها لأننا جزمنا أن غول المجازفة الجاثم على صدورنا قد اندحر أم أن مجازفة النقل والتوصيل الآمن والتأمين من القرصنة والغرق والحرق وإغراق السوق من اختصاصنا.

إذن المجازفات القاتلة ليست على الأرض كما نرى لكنها في المكاتب المغلقة للمقاول (المقاسم) ويبذل قصارى جهده ليروي جشعه وطموحة باردا مبردا من نفط الكلفة المعبرة عن التكاليف الاستثمارية والتشغيلية المتوقع صرفها هدرا مذرا في مراحل المشروع المختلفة وما أدرانا هل سيتم الحفر الاستكشافي في موقع مستوف لمواصفات وشروط معطيات المكامن من النواحي التركيبية وهل سيصوب الهدف النهائي للحفر على طبقة حاوية للنفط أو الغاز مباشرة أم أن هناك مبررات وتفسيرات ستختلق لأي أخطاء مألوفة في عالم صناعة النفط لتستنفد مدة الاستكشاف حتى آخر لحظة؟ السؤال المهم هل سيتخلف ولو نزر يسير لسد (السهنة) الملازمة لهكذا (استثمارات) والانتقال فورا دون مماطلة ولا تسويف لنفط الربح المزعوم أم لا؟ وعلى العموم تبلغ نسبة نفط الكلفة 30- 50 % في البلدان عالية المجازفة وتنخفض في بلدان الشرق الأوسط كما بينا في الجدول (1)! أما هنا فنرجو ألا نجد أنفسنا منافسين لأذربيجان واندونيسيا وغيرهما عند النسبة 100%!.

4-1 العناوين البارزة للمخالفات:

صادق نواب الشعب الحاضرون على تمرير الاتفاقيات ولديهم تحفظات حول الكثير من عناصر ومكونات الاتفاقيات وقرر البعض بأنها نمطية ولغتها ركيكة, الأمر الذي يشكل ثغرات وخطوط رجعة للمقاول وتساءلوا عن مآل محددات مرافقة للاتفاقيات قام طرف الحكومة الممثل بوزارة النفط والمعادن بالرد عليها بصورة مختصرة ومقتضبة جدا.

هنا يمكن القول أن الملاحظات كانت هامشية لكن ضغط الموازنة العامة للدولة البالغة 70% تغطيها (عوائد النفط) حسب وصفهم- النسبة هذه غير مطابقة لكمية الإنتاج المعلنة بالنظر للموازنة العامة- لم يترك لهم أدنى هامش مناورة أو محاجة على ما يبدو، واندفع البعض منهم ليقترحوا توسيع رقع الاستكشاف لتشمل كافة مناطق اليابسة والمغمورة وانكفأت رعايتهم عن مصالح الرعايا الذين يمثلونهم على الوجه التالي:

- تنازل سيادي عن الثروة مادة (8) من الدستور: الثروات الطبيعية بجميع أنواعها ومصادر الطاقة الموجودة في باطن الأرض أو فوقها أو في مياهها الإقليمية أو الامتداد القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة ملك للدولة وهي التي تملك استغلالها للمصلحة العامة، والشركات ليست من ذوات المصلحة العامة المقصودة هنا.

- تنازل عن القانون الإداري السائد مع ضعف المردود.

- تنازل (مجاني) عن معلومات وبيانات جاهزة لاتقدر بثمن.

- عدم الخوض في آليات وبدائل أخرى عادلة لاستغلال هذه الموارد الاستغلال الامثل لتحقيق تنمية مستدامة.

- عدم الحفاظ على موارد أرصدة غير متجددة مع وجود أزمة وشيكة لنفادها بصورة تهدد مستقبل الأجيال.

- القبول بمبالغ نقدية (تعويضات) مقابل أخطار بيئية وصحية مؤكدة لاتعوضها الدريهمات.

- عدم العمل على تقييم تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ولا وزارة المالية ولا حتى لجان أخرى منبثقة من المجلس نفسه كلجنة التنمية والموازنة وغيرها.

الاستنتاجات والخاتمة:

رأينا على ضوء ما تقدم أن ليس هناك غالبا أية مجازفة تذكر إلا إذا تم الخطأ في معالجة البيانات وتفسيرها أو التلاعب بالمعطيات الحقلية في إطار الطاقم الفني للشركة وتزييف النتائج بأخرى مضللة لأهداف ذكرت بعضا منها في السياق، ومع الأسف نجد أن اللجان المسماة لجان التشغيل والشركات الوطنية المدرجة مع المقاول ليس لها حول ولا قوة في تغيير أي سلبيات ولا تصحيح أي أخطاء ولا مخالفات إلا فيما ندر، وعلى النقيض فكم هي الأنظمة والدول التي اخترقت من قبل الشركات وعاثت فيها الفساد, لكن ماذا ستكون معالجاتنا للموقف إذا ما اجتاحت ظاهرة الإفلاس المحتملة- التي لم تخطر على بال احد حتى اللحظة- هذه الشركات وفي مواطنها الأم لسبب أو لآخر وهذا وارد بالنظر إلى الأزمات العالمية المتفاقمة في معظم مفاصل الاقتصاد الرأسمالي الدولي؟ هل ستنجلي لصالح الدول المضيفة لان تنازلاتها السيادية والقانونية لم تجد الطريق للتطبيق على الأرض، وما عجزت عن الدفاع عنه بنفسها وإرادتها ربما يأتي حسن الطالع لينقذ ماء وجهها بظروف أكثر مواتاة وأوفر حظا، ليس لسد حاجات يومها الأسود فحسب وإنما لغد مشرق لأجيالها القادمة بالمحافظة على مواردها الأرصدة المعرضة للنفاد في طرفة عين؟ كيف لا ولسان حالنا يقول لا طاقة لنا بالبطالة ولا حيلة لنا بالرزق!!. كما يجب أن نتوقع من الآن عدم نجاعة أية إجراءات لا تمس أساس المشكلة المتمثلة في خطأ السياسات الاستثمارية برمتها وما تلقيه تداعيات فشل اقتصاد السوق الليبرالي الرأسمالي على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والمالية والعسكرية. لذا يتوجب على صناع القرار أن يدرسوا بتعمق إصدار قوانين جديدة في هذا الصدد تتماشى مع رغبات الشركات لأنها ستزيد الطين بلة ولا تحقق الحفاظ على موارد غير متجددة وستسهم في تدهور البيئة وستكون بمثابة شرعنة للتنازلات وإهدارا للثروات والمقدرات واختلالا في التوزيع والتماسك المجتمعي رفضتها ولازالت ترفضها كل الأمم، ولنا أن نعرف أن الولايات المتحدة بإدارة أوباما الجديدة قد أوقفت عمليات الاستكشاف في سبعين حقلا ولم تلو على شيء إلا ما يلبي طموح شعوبها وأجيالها القادمة وحفاظا على ثرواتها ومواردها البيئية وصعدت عمليات الاستثمار في مجالي الصحة والتعليم اللذين يمثلان بحق أربح المجالات وأجداها على الإطلاق.

جيو فيزيائي