المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يمكن إصلاح ما أفسده الدهر في ثقافتنا؟! | بقلم : احمد عمر بن فريد


اسدالجنوب
2013-11-20, 03:14 PM
تبدو المهمة النضالية الجنوبية لتحقيق الاستقلال الوطني والانفكاك من "وحدة الاحتلال" مسألة ليست بالهينة عطفا على الظروف المحيطة بها من داخلها أو من محيطها على المستويين القريب والبعيد. ويمكنني أن أشبه ذلك كالذي يحاول أن يفتح بابا مقفلا, وفي يده أكثر من مائة مفتاح لا يعلم أيها هو المطلوب، في حين أن فتح الباب مرتبط بفترة زمنية محدودة! وفي هذه الحالة يجد- الذي يحاول جاهدا أن يجد الحل المناسب- المئات من حوله يصرخون في أذنيه أن عليه أن يعتمد هذا المفتاح أو ذاك!.

ما يعني أن علينا أن ندرك بصورة واقعية - أيها السادة - أن ما أفسده الدهر من خلالنا وفي أنفسنا أكبر بكثير مما يمكن رصده أو تقييمه أو حتى تخيله, وأن هذا "الإرث الوطني" الذي أحدث في نسيجنا الاجتماعي وسلوكنا السياسي كل هذا الدمار يعتبر العائق الأكبر أمامنا حاليا جهة الانعتاق من المأزق التاريخي الذي نعيشه الآن لكي ندخل فقط مرحلة بناء الدولة وبناء الأمة, وهذا كله يؤكد لنا جميعا أن علينا أن نتحلى بالكثير من الصفات الحميدة كـ"الصبر".. و"المرونة".. والمقدرة على الحوار فيما بيننا.

يؤسفني القول إن الكثير من القيادات لاتزال تتعامل مع "القضية الوطنية" باعتبارها قدرا مفروضا عليها أو جزءا منها أو هي في أكثر الأوصاف دقة "ملكية خاصة" بها, وجزء لا يتجزأ من تاريخها, تكوينها وحياتها الشخصية! ويؤسفني بذات القدر القول, إن الأغلبية الساحقة من شعب الجنوب تقر لقياداتها بهذه "الميزة" التي لم يعد لها مكان إلا لدى الشعوب المسحوقة التي تقبل - بشكل أو بآخر - أن تبقى مقيدة بإرادة وسلوكيات وقرارات "قياداتها المقدسة" لديها, ثم عليها بعد ذلك أن تدفع الثمن غاليا.. وهي راضية مرضية، وكأن شيئا لم يحدث!.

يمكن لقيادي جنوبي أن يهرع مهرولا إلى لقاء مع أبسط موظف دولي أو مسئول سياسي أو سفير لإبراز مهاراته في شرح موقفه السياسي, أو أن يجري اتصالاته الكثيفة في سبيل مقابلة إعلامية مع قناة فضائية خارجية لكي يظهر "نفسه" وعلى حساب إبراز "قضيته" في حين أنه لا يفكر ولو مجرد التفكير في بذل جهد مماثل في تنظيم لقاءات شعبية أو حتى نخبوية لأبناء الجنوب للحديث والتفكير معهم بصوت عال فيما يمكن عمله أو ماذا يوجد لديه من أفكار أو برامج أو رؤى سياسية, أو حتى أن ينخرط في مناظرة سياسية مع قيادي آخر يملك شعب الجنوب معلومة أكيدة عن أنهما غير متوافقين!.. أما لماذا هما كذلك؟.. فلا يوجد لديهم علم بأي سبب منطقي!.

وفي هذا الإطار يمكن أن يطرح القيادي (س) رؤيته السياسية على الورق أو يعبر عنها بتحركاته السياسية العابرة للحدود لكنه لا يمكن أن يخطر له على باله أن يحاول بهذه الطريقة أو تلك "إقناع" شعب الجنوب بها من خلال الشرح التفصيلي لجدواها وقابليتها للتحقق كواقع عملي على الأرض, في حين أن "الإعلام الجنوبي" لم يخرج حتى الآن عن عباءة ستينات القرن الماضي باعتبار أن خاصية التمترس خلف "الزعيم القائد" سمة من سمات الوطنية بموجب شروح "الكراريس" البالية لحقب وضعتها الأمم في متاحفها.

في الديمقراطيات الغربية الراسخة يقف "المنخرط" في الشأن الوطني على المنصة في مناظرة مع خصومه الآخرين لكي يقدم للجمهور ما يشفع له بقبوله ممثلا لأحلامهم وآمالهم الخاصة والعامة, ويمكن لهذا القيادي أن يعيش لحظات صعبة وعسيرة ومحرجة, تتبلل خلالها ملابسه عرقا نتيجة لعدم مقدرته على تقديم ما يقنع الجماهير المشاهدة بما يطرحه في برنامجه أو رؤيته السياسية, في الوقت الذي يستوجب على أعضاء اللجنة التحضيرية في شأننا الوطني - على سبيل المثال - أن يقطعوا آلاف الكيلومترات ما بين القاهرة وبيروت وعواصم عربية أخرى لكي "يقنعوا" من يستوجب عليهم أن "يقنعونا" نحن بالكيفية التي يمكن أن تتحقق بها أحلامنا الوطنية من خلالهم.

كنت ولا زلت أحلم وأتمنى أن يأتي اليوم الذي أشاهد فيه على المنصة وأمام الجماهير الجنوبية عددا كبيرا من القيادات السياسية وهي تخضع للمساءلة - ليس عن ماضيها - وإنما عن حاضرها السياسي.. وكنت ولا زلت أتمنى أن يوجد لدينا إعلام "قوي - مستقل" قادر على تحليل المواقف المتباينة ونثر نسيجها وفكفكته أمام الجماهير الجنوبية لمختلف القيادات السياسية حتى تتضح الصورة كما هي في حقيقتها، لا كما هي في نسختها الكاذبة.